وخلفائهم رضى الله عنهم أعلم من بعدهم بما يصلح فى أرض مكة ، وأنه لو كان عندهم علم عن النبى صلىاللهعليهوسلم بأنها أقرت للمسلمين لما أقدموا ، على ما فعلوا ، ويبعد جدا أن يصح ذلك عن النبى صلىاللهعليهوسلم ويخفى عليهم وعلى غيرهم من علماء الصحابة رضى الله عنهم ، فإنه لم يحفظ عن غيرهم أنه أنكر على أحد منهم ما فعل له ، أما حديث علقمة بن فضلة الكنانى ويقال الكندى : كانت الدور والمساكن على عهد النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم لا تكرى ولا تباع ولا تدعى إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن ، انتهى. فإنه لا دلالة فيه على نهى النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم عن بيع دور مكة وكرائها ، وإنما فيه دلالة على عدم وقوع ذلك من زمن المشار إليهم ، ولا يلزم من عدم وقوع ذلك فى زمنهم منه ، إذ الإنسان يترك ما يجوز له فعله دهرا طويلا على أن دلالة حديث علقمة على عدم وقوع بيع دور مكة وكرائها فى زمن المشار إليهم معارضة بما وقع من شراء عمر وعثمان رضى الله عنها لدور مكة ، ووقع ذلك فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الفاكهى قال فى كتاب أخبار مكة : حدثنا حسين بن حسن قال : كتبت إلى عبد الرحمن بن مهدى أسئلة عن كراء دور مكة وشرائها قال : فكتب إلى : إنك أتيت إلى تسألنى عن أشرية دور مكة وكرائها ، فأما الشراء فقد اشترى الناس وباعوها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم انتهى. وحسين بن حسن هو المروزى صاحب ابن المبارك قال فيه أبو حاتم (١) : صدوق ، وقد روى عنه الترمذى والنسائى ، وإذا تعارض ذلك مع حديث علقمة ؛ فهو مقدم على حديث علقمة ؛ لأن حديث علقمة حاصله شهادة على نفى وفى مثل هذا يقدم المثبت ، ويتعين حمل حديث علقمة على أن فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم كان الغالب فى فعل الناس بمكة تركهم بيع دورهم بمكة وكرائها لعدم الحاجة إلى ذلك وتوسعة على الوافدين والمحتاجين ، ولما كان وقوع خلاف ذلك نادرا لم يستحضره علقمة فى حال تحديثه بحال دور مكة ونفاه فى حديثه والله أعلم. وعلقمة لا صحبة له وإن كان ابن عبد البر قد ذكره فى كتاب الصحابة المسمى
__________________
(١) انظر الجرح والتعديل ٢ / ٦١.