وذكر الفاكهى ما يقتضى أن سيل الحل يدخل إلى الحرم من عدة مواضع ؛ لأنه قال : «ذكر ما يسكب من أودية الحل إلى الحرم» وبين هذه المواضع وذكرنا ذلك فى أصل هذا الكتاب ، انتهى كلام الفاسى. ثم اعترض ما ذكره جده من الأبيات التى فى تحديد الحرم ومن جملتها.
ومن يمن سبع بتقديم سينها |
|
كذلك سيل الحل لم يعد بنيانه |
قال : وهذه الفائدة ذكرها غير واحد من العلماء إلا أنها معترضة بما ذكره الأزرقى من أن سيل الحل يدخل الحرم من جهة التنعيم فقط ، وقد سبق كلام الأزرقى فى هذا المعنى ويعارضها أيضا ما سبق عن الفاكهى والله أعلم انتهى كلامه وقال الفاضل السمين فى تفسير قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أن من جملة الآيات حمايته من السيول ، ولعل المراد بالسيول سيول الحل لا مطلقا فإن السيول دخلته فتأمل اسمى هذا.
وفى تعليل ابن عطية (١) منع دخول سيل الحل فى الحرم بأنه ربوة وفى حكمها ليكون أصون له نظر ؛ إذ مقتضاه أن أرض الحرم أرفع من أرض الحل ؛ فلهذا لا يدخلها الماء ، وقد روى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها قالت : «لو لا الهجرة لسكنت مكة ، إنى لم أر السماء بمكان أقرب إلى الأرض منها بمكة ، ولم يطمئن قلبى ببلد قط ما اطمأن بمكة ، ولم أر القمر بمكان قط أحسن منه بمكة» أخرجه (٢) الأزرقى. وهذا لا يدل صريحا على أن أرض الحرم أعلى من أرض الحل وإنما يدل على أن مكة بتمامها أقرب إلى السماء من باقى الأرض ، ومع هذا فرواية عائشة ـ رضى الله عنها ـ يعارضها ما ذكره كعب الأحبار ـ رضى الله عنه ـ فى قوله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أنه ينادى من بيت المقدس من الصخرة وهى أوسط الأرض وهى أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا انتهى.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال : إن فى كلام كعب هذا نظر ، أو لم يبينه ولعل وجهه رواية عائشة ـ رضى الله عنها ـ المتقدمة الدالة على أن مكة أرفع إلى جهة السماء من غيرها ، ثم رأيت فى كتاب إعلام الساجد (٣) بأحكام المساجد
__________________
(١) شفاء الغرام ١ / ٥٤
(٢) أخبار مكة ٢ / ١٠٢
(٣) انظر ص ـ ٨٥