نقلا عن القشيرى أنه قال فى تفسير قوله : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ)(١) قال : ينادى المنادى وهو صاحب الصور من الصخرة من أعلا بيت المقدس وهى أقرب إلى الأرض باثنى عشر ميلا انتهى.
فقوله : «أقرب إلى الأرض» عكس قول كعب : «أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا» فليتأمل وذكر القاضى البيضاوى فى تفسير قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٢) من سورة المؤمنين أى أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة ، أو دمشق ، أو رملة فلسطين ، أو معرفان قراها على الربا انتهى. لكن ما ذكره القاضى من أن الربوة دمشق اعترضه ابن العماد حيث قال : الصحيح أن الربوة التى أدى إليها المسيح وأمه مدينة البهنساوية فى موضع يعرف الآن بمسجد الديوان أوى به هو وأمه سبع سنين ، قال : وأما الربوة التي بدمشق فموضع مبارك تره مليح النظر فى لحف جبل وليست الربوة التى ذكر الله عزوجل فى كتابه ؛ لأن عيسى عليهالسلام ما دخل دمشق ولا وطئ أرض الشام ، بل الربوة هى مصر. وقيل : هى الرملة انتهى المقصود منه. واعلم أن نظير ما ذكر من عدم استيلاء السيول على محله فيما تقدم مع استيلائه عليه فى مثل هذا الزمن فإنه استعلى على بنيانه فى هذا الزمن ، وخالف العادة ما ذكره الحافظ وجزم به أبو عتبة البكرى من أن الفرقة من الطير وغيره تقبل حتى إذا كادت تبلغ الكعبة انفرقت فرقتين فلم يعل ظهرها شئ منها ، وذكر مكى وغيره أن الطير لا يعلوه وإن علاه طائر فإنما ذلك لمرض يستشفى بالبيت ، قال ابن عطية : وهذا عندى ضعيف والطير يعاين يعلوه وقد علته العقاب التي أخذت الحية المشرفة على جدره وتلك كانت من آياته انتهى قال (٣) الزركشى : وليس فى هذا ما ينافى كلام مكى انتهى.
ووجه عدم المنافاة ظاهر وذلك لأن ما عوين من ذلك جاز أن يكون للاستشفاء وأما العقاب فعلوه إنما هو لأخذ الحية المذكورة ، وقال بعض
__________________
(١) سورة (ق) آية (٤١).
(٢) سورة المؤمنون آية (٥٠).
(٣) أعلام المساجد ص ٨٦.