فصل
(لما جاءنا هذا السؤال ابتدر ذهبنا إلى أن الرباط ...) لما جاءنا هذا السؤال ابتدر ذهبنا إلى أن الرباط أفضل ثم توقفنا عن الجواب لأمرين : أحداهما : «المعنى فى المجاورة وأهلها ، وذلك أن المجاورة فيها عكوف على العبادة التى خلق الله العباد لها قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالمجاورون فرغوا أنفسهم لذلك وجردوها عما سواه ووجهوا همهم إلى الله تعالى سبحانه ، لا شريك له ، واستعانوا بذلك على صلاح قلوبهم التى إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، واستطراد المعارف الإلهية المتنزلة عليهم من سحائب الرحمة واشتغلوا بما يترتب عليها من الأحوال السيئة وهم فى ذلك بين صلاة وطواف ونظر إلى البيت العتيق ، الذى يتنزل عليه كل يوم مائه وعشرون رحمة ستون منها للمصلين وأربعون للطائفين ، وعشرون للناظرين مع مالهم ، من صيام وأعمال أخر ، ثم هم مع ذلك كله جيران بيت الله تعالى ، فاطنون بحرف وما زال سكان حرم الله مكرمين لأجله ، وانظر الحجر الأسود كيف شرع تقبيله لأنه يمين الله فى الأرض على عادة تقبيل يد الملوك ، وان كان الله سبحانه متنزها عن الجارحة ، فيفهم من جعل الحجر الأسود فى الأرض لذلك ، وهو يمين البيت أن العكوف عند * البيت وحده خدمة لله وعز به وإذا حصل أصل الإسلام ، ولو لم يضيف إليه من الأعمال ، وهذا وحده لا يوجد فى الرباط لأن القائم على الثغور بمجردها لا قربة فيها ، وإنما تزاد وسبله للجهاد ، ومجرد الإقامة بمكة إذا قصد لما ذكرناه من مجاورة بيت الله ، قربة فمن أوى إلى الله ، آواه الله ، وفيه شىء آخر عظيم لا يوجد فى غيره ، وهو التوجه فى الصلاة إلى عين الكعبة ، فيقطع بصوابه ، وصحه صلاته بذلك ، أما غيرها من البلاد فقد اختلف الفقهاء هل الواجب استقبال العين أو الجهة اشتهر البحث ، فى ذلك ، وما فيه من الإشكال على كل من القولين ما عرف فى الفقه واختلفت محارب أكثر البلاد فى ذلك اختلافا كثيرا ، عن الوقوف على الصواب ، فيه إلا فى المواضع التى صلى فيها الرسول صلىاللهعليهوسلم فإنا نقطع بصوابها ولا فيها احتمال تياسر أو تيامن أو جهة أو خطأ فى حساب ، فلو لم يكن فى مكة إلا هذه الفائدة لكفت فتادينا مع من يكون بهذه الصفة أن يفضل عمره عليه ولمحنا أنه بالنسبه إلى غيره