المتأخرين : المعروف عند أهل مكة المشرفة قبل وقتنا هذا ما قاله مكى وابن (١) جماعة وغيرهما ، وأما فى وقتنا هذا فما قاله ابن عطية فإن الطيور الآن تعلوه كثيرا ويتكرر ذلك فى الساعة الواحدة ، وهذا مشاهد لا ينكر قال : ولعل حدوثه كذلك بسبب ما وقع من نقض السقف والتغييرات الواقعة على بعض المتأخرين يحتمل أنه كان فى السقف المنقوض وفيما غير شئ من الأرصاد يمنع ذلك فزال عند النقض والتغيير ، قلت هذا غير مناسب إذ من المعلوم أن السقف حادث بعد الخليل صلىاللهعليهوسلم والظاهر أن هذا الاحترام ثابت له قديما ولو كان ذلك بسبب رصد لم يكن له مزية ذاتية ، إذ هذا القدر موجود فى غيره بل نقله الزركشى أن بالجامع الأزهر طلسما لا يسكنه عصفور ولا يفرخ فيه ، وقد ذكر التورنسى فى شرح المصابيح أنه قال : ولقد شاهدت من كرامة البيت أيام مجاورتى بمكة أن الطير كان لا يمر فوقه وكنت كثيرا أتدبر تحليق الطيور فى ذلك الجو فأجدها مجتنبة عن محاذاة البيت ، وربما انقضت من الجو حتى تدانت فطافت به مرارا ثم ارتفعت : ثم قال أيضا : ومن آيات الله البينة فى كرامة البيت أن حمامات الحرم إذا نهضت للطيران طافت حوله مرارا من غير أن تعلوه ، فإذا وقفت عن الطيران وقعت على شرفات المسجد أو على بعض الأسطحة التى حول المسجد ولا تقع على ظهر البيت مع خلوها عما ينفرها ، وقد كنا نرى الحمامة إذا مرضت وتساقط ريشها وتناثر ترتفع من الأرض حتى إذا دنت من ظهر البيت ألقت بنفسها على الميزاب أو على طرف ركن من الأركان فتبقى زمانا طويلا كهيئة المتخشع ثم تنصرف بعد حين من غير أن تعلو شيئا من سقف البيت انتهى.
لكن روى أن طيرا من أقبلا فى الجاهلية كأنهما نعامتان يسيران كل يوم ميلا أو بريدا حتى أتيا مكة فوقعا على الكعبة ، وكانت قريش تطعمهما وتسقيهما فإذا خف الطواف من الناس نزلا فدفيا حول الكعبة ، حتي إذا اجتمع الناس طارا فوقعا على الكعبة فمكثا كذلك شهرا أو نحوه ثم ذهبا ، ومعنى دفيا : سارا ، ومنه يدفون إليك دفوف النشور ، قال فى الصحاح : الدفيف الدبيب وهو السير اللين.
وأما الجواب عن أنه هل تقدم حصول سيل يقرب من هذا أو لا؟ فنقول :
__________________
(١) انظر كتابه المناسك ٢ / ١٠٣