بذلك مما هو مذكور جميعا فى السؤال فهو أن الإمام الرافعى ذكر فى تحلية الكعبة والمساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما وجهين مرويين فى الحاوى وغيره ، أحدهما : الجواز تعظيما كما فى المصحف وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج وأظهرها المنع ، ويحكى عن ابن إسحاق إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف وحكم الزكاة مبنى على الوجهين ثم لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال ، انتهى ما ذكره الرافعى رحمهالله. واعترض السبكى من وجوه ، أما أولا فعلى تسويته بين الكعبة والمساجد فى إجراء الخلاف وهذا لا ينبغى لأن للكعبة من التعظيم ما ليس للمساجد ألا ترى أن ستر الكعبة بالحرير وغيره مجمع عليه وفى ستر المساجد خلاف فحينئذ الخلاف فى الكعبة مشكل ، وترجيح المنع فيها أشكل ، وأما تعليل الرافعى بأن ذلك لم ينقل عن فعل السلف فعجيب ؛ لأن هذه العلة لا تقتضى التحريم وقصاراها أنها تقتضى أنه ليس بسنة أو مكروه كراهة تنزيه أما التحريم فلا وليس لنا أن نحرم بمثل ذلك حتى يرد نهى من الشارع ، وكيف يكون ذلك وقد فعل فى صدر هذه الأمة وقد تولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه عمارة مسجد النبى صلىاللهعليهوسلم عن الوليد وذهب سقفه ، فإن قيل : إن ذلك امتثال أمر الوليد فأقول : إن الوليد وأمثالهم من الملوك إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم فيه غرض يتعلق بملكهم ونحوه ، أما مثل هذا ففيه توفير عليهم فى أموالهم فلا تصعب مراجعتهم فيه فسكوت عمر بن عبد العزيز وأمثاله وأكبر منه مثل سعيد بن المسيب وبقية فقهاء المدينة وغيرها دليل لجواز ذلك ، بل ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد ذلك وأراد أن يزيل ما فى جامع بنى أمية من الذهب فقيل له إنه لا يتحصل منه شيء يقوم بأجرة حكه فتركه ، والصفائح التى على الكعبة يتحصل منها شيء كثير ، فلو كان فعلها حراما لأزالها فى خلافته لأنه إمام هدى رضى الله عنه ، فلما سكت عنها وتركها وجب القطع بجوازها ومعه جميع الناس الذين يحجون كل عام ويرونها ، فالقول بمنعها عجيب جدا ، وقد قيل : إن أول من ذهب البيت فى الإسلام الوليد ابن عبد الملك وذلك لا ينفى أن يكون ذهب فى الجاهلية وبقى إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ويقال : إن الذى عمله الوليد بن عبد الملك على (١)
__________________
(١) انظر شفاء الغرام ١ / ١١١.