يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق ؛ مثل السببية واللزوم (نحو : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١) فإن الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة ...
______________________________________________________
الحريرى قد جمع بين ألوان من الاغبرار والاخضرار والاصفرار والاسوداد والابيضاض والزرقة والحمرة وكل تلك الألوان فى كلامه كناية إلا الاصفرار فإن فيه التورية ، فقد علم من ذلك أن جمع الألوان لا يجب أن يكون على أنها كلها كنايات أو توريات بل يجوز أن تجمع على أن بعضها تورية وبعضها كناية ، وقد توهم بعضهم وجوب ذلك وهو فاسد.
(قوله : يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر) أى : والحال أنه ليس بين هذين المعنيين اللذين تعلق أحدهما بما يقابل الآخر تناف بل يجتمعان ، كالرحمة والشدة فإن الرحمة تكون شديدة وبهذا يمتاز عن الطباق ، وما قيل إنه إذا كان أحدهما لازما لمقابل الآخر يتحقق بينهما التنافى فى الجملة لأن منافى الملزوم مناف للازمه ، وحينئذ فهو طباق لا ملحق به مدفوع ؛ لأن اللازم قد يكون أعم وحينئذ فمنافى الملزوم لا يجب أن يكون منافيا للازم ، والحاصل أن الشىء الأول من الشيئين الملحقين بالطباق هو أن يجمع بين معنيين ليس أحدهما مقابلا للآخر ، لكن يتعلق أحدهما بمعنى يقابل المعنى الآخر ، وتعلق أحد المعنيين بالمعنى المقابل للآخر إما لكونه بينه وبينه لزوم السببية ، أو بينه وبينه لزوم آخر غير لزوم السببية ، والتقابل هنا ليس بين المعنيين بل بين أحدهما وملزوم الآخر. (قوله : فإن الرحمة وإن لم تكن إلخ) حاصله أنه قد جمع فى هذه الآية بين الرحمة والشدة ، ومن المعلوم أن الرحمة لا تقابل الشدة ، وإنما تقابل الرحمة الفظاظة ، والشدة إنما يقابلها اللين ، لكن الرحمة مسببة عن اللين المقابل للشدة ، وذلك لأن اللين فى الإنسان كيفية قلبية تقتضى الانعطاف لمستحقه ، وذلك لأن الانعطاف هو الرحمة فقد قوبل فى الآية بين معنيين هما الشدة والرحمة وأحدهما وهو الرحمة له تعلق بمقابل الشدة وهو اللين والتعلق بينهما تعلق السببية أى كون الرحمة مسببة عن اللين وأصل الشدة واللين فى المحسوسات فالشدة فيها الصلابة ، واللين فيها ضدها وهى صفة تقتضى صحة الغمز إلى
__________________
(١) الفتح : ٢٩.