أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقويه (١) ، أنا أحمد بن سندي الحداد ، نا الحسن بن علي القطان ، حدثنا إسماعيل بن عيسى ، نا إسحاق بن بشر ، أنا مقاتل وجويبر ، عن الضّحّاك ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ)(٢) قال : ذكر الله منه برحمة عبده زكريا حيث دعاه ، فذلك قوله (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا وتسمع أحد أذنيه فقال : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)(٣) يعني ضعف العظم مني (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) يعني غلب البياض السواد (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي ربّ إني لم أدعك قط فخيّبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي ، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي ، عودتني الإجابة من نفسك ، (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي)(٤) فلم يبق لي وارث ، وخفت العصبة أن ترثني (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)(٥) يعني من عندك ولدا (يَرِثُنِي) يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس القربان وقلمي الذي أكتب به الوحي (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) والنبوة (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) يعني مرضيا عندك.
قوله : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) قال ابن عباس : خاف أنها لا تلد ، فقال : وامرأتي عاقر ، وأنت تفعل ما تشاء فهب لي ولدا فإذا وهبته فاجعله ربّ رضيا زاكيا بالعمل ، فاستجاب الله له ، وكانا قد دخلا في السن هو وامرأته.
فبينا هو قائم يصلّي في المحراب ، حيث يذبح القربان إذ هو برجل عليه البياض حياله ـ وهو جبريل ـ فقال : يا زكريا إن الله يبشرك وهو قوله (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) واسم يحيى هو اسم من أسماء الله ، اشتقّ من يا حي ، سماه الله من فوق عرشه (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(٦) يعني هل يعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ، ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى.
__________________
(١) بالأصل بإهمال الراء والزاي ، والصواب ما أثبت : واسمه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ترجمته في سير الأعلام ١٧ / ٢٥٨.
(٢) سورة مريم ، الآية : ٢.
(٣) سورة مريم ، الآية : ٤.
(٤) سورة مريم ، الآية : ٥.
(٥) سورة مريم ، الآية : ٥.
(٦) سورة مريم ، الآية : ٧.