شواهده وأبياته هي الدعائم الأساسية التي تقوم عليها هذه القواعد وتتوثق ، وكانت اللغة العربية الأصيلة مما يقوم عليه وجودنا ـ إذ تشكل أقوى الروابط التي تشدنا إلى مجموعة خطيرة من القيم : فيما بيننا وبين تراثنا الروحي والعلمي من جهة ، وما بين أقطار أمتنا العربية والإسلامية من جهة أخرى ـ لكل هذه الأصول وغيرها .. رأيت من سديد العمل أن أسعى إلى جمهور هذه الشواهد ألمّ شتاتها ، وأجمع من الأنحاء شروحها ، لأخرج إلى النور أكمل ما رأيته منها ، مشفوعا بمعظم ما وصل الينا من هذه الشروح ، أو الردود عليها ، مخطوطة أو مطبوعة .. فيسهل بذلك حزنها ، ويقرب بعيدها ، ويتبسط لأذهان الأحفاد بعض أسمى ما تركه الأسلاف والأجداد ، وتتوثق بعد ذلك هذه الرابطة المصيرية بين أطراف تاريخ الأمة المجيد وأجيالها المتعاقبة.
وقد تم لي ذلك باختيار «شرح أبيات سيبويه» ليوسف بن أبي سعيد السيرافي أحد أعلام القرن الهجري الرابع. فنهضت بعبء تحقيقه أولا ، ثم بدراسته وصاحبته وبعض أندادهما من مختلف الوجوه .. مكتفيا من ذلك هنا بالقدر الذي يعرّف بابن السيرافي وناقده الغندجانيّ ؛ إذ لا يزالان مغيّبين إلى حد كبير عن أنظار المصريين.