كلام عمرو بن معدى كرب (١) :
«ما أشدّ فى الهيجاء لقاءها ، وأكرم فى اللّزبات عطاءها ، وأثبت فى المكرمات بقاءها».
وأما التعجب على طريقة «أفعل به» ، فلا يكون إلا من الأفعال التى يتعجب منها على طريقة «ما أفعله» ، إلا أنه لا بد من بنائه أولا على وزن «أفعل» ، التى يراد بها : صار ذا كذا (٢) ، نحو قولهم : أبقل المكان ، أى : صار ذا بقل ، وحينئذ يبنى الأمر عليه ، فيقال : أسمع بزيد ، وأبصر بعمرو ، وأصله : أسمع زيد ، وأبصر عمرو ؛ لأنه مبنى من فعل لا يتعدى (٣) وفاعله ظاهر ، وساغ وقوع الظاهر فاعلا للأمر بغير لام ، لما لم يكن / أمرا فى الحقيقة ، بل المعنى الخبر (٤) ، والأمر قد يجىء بمعنى الخبر ؛ قال تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] أى : فيمد له الرحمن مدّا ، لكن زيدت «الباء» فى الفاعل ، ولزمت ، حتى صار لفظ الفاعل كلفظ المجرور ، فى نحو قولك : «امرر بزيد» إصلاحا للفظ ؛ ويدل على أن المجرور فى موضع الفاعل ، وأن الفعل لم يتحمل ضميرا ـ إبقاء اللفظ على صورة واحدة فى
__________________
(١) عمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبد الله الزبيدي : فارس اليمن ، وصاحب الغارات المشهورة ، وفد على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أسلم وارتد بعد وفاة النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ ثم عاد إلى الإسلام ، شهد عدة معارك منها القادسية واليرموك ، كان عصيّ النفس أبيها ، وله شعر مجموع في ديوان باسمه.
ينظر : الإصابه ترجمة (٥٩٧٢) ، وسمط اللآلي ٦٣ ، ٦٤ وابن سعد ٥ / ٣٨٣ ، وشرح الشواهد / ١٤٣ ، خزانة الأدب ١ / ٤٢٥ ، والشعر والشعراء ١٣٨ الأعلام (٥ / ٨٦).
(٢) م : وقولى : «ولا بد من بنائه أولا على أفعل الذى يراد به صار ذا كذا» الدليل على صحة ذلك قطع همزة (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ؛ فدل ذلك على أنه من «أسمع وأبصر» ، ولو كان من سمع ، ولم ينقل إلى أسمع ، لكانت الهمزة همزة وصل ولكانت مكسورة فكنت تقول اسمع بفتح الميم وكسر الهمزة. أه.
(٣) م : وقولى : «والأصل أسمع زيد وأبصر عمرو ؛ لأنه مبنى من فعل لا يتعدى» أردت بذلك أن أبين أن المجرور فاعل والباء زائدة ؛ لأنه أمر من أسمع ، أى : صار ذا سمع ، وأسمع بهذا المعنى لا يتعدى ؛ فكذلك لا يتعدى الأمر الذى يكون منه. أه.
(٤) م : وقولى : «وساغ وقوع الظاهر فاعلا للأمر بغير لام ، لما لم يكن أمرا فى الحقيقة ؛ بل المعنى الخبر» أعنى : أنّ الأمر الصحيح بغير لام إنما يكون فاعله ضمير خطاب ؛ نحو قولك : قم ، اقعد ، فلولا أن الأمر الذى يراد به التعجب ليس بأمر صحيح ، وإنما هو خبر فى المعنى ، لم يجز مجىء الفاعل منه ظاهرا ، وإنما سوّغ ذلك فيه كونه خبرا فى المعنى ؛ فجاء الفاعل معه ظاهرا ؛ كما يجىء ذلك مع الخبر. أه.