وكذلك قول الآخر [من الطويل] :
٤٥ ـ وما الدّهر إلا منجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلا معذّبا (١) |
يتخرّج على أن يكون «معذّب» مصدرا كممزّق ؛ وكذلك : منجنون ، التقدير :
وما الدهر إلا دوران منجنون ، وما صاحب الحاجات إلا تعذيبا ؛ فيكون من باب «ما أنت إلا سيرا».
ويجوز دخول الباء فى خبرها ، تأخر عن الاسم أو تقدم عليه ؛ نحو قوله : [من الوافر] :
__________________
ينظر : الأشباه والنظائر ٥ / ٢٩٦ ، ورصف المباني ص ٣١٢ ، وشرح المفصل ٨ / ١٣٥ ، ولسان العرب (حمض).
(١) هذا البيت نسبه ابن جني في كتاب «ذا القد» لبعض العرب ، قيل : هو من بني سعد.
والمنجنون : الدولاب الذي يستقي عليه ، وهو مؤنث. قال ابن جني (في شرح تصريف المازني المسمى بالمنصف) : ليس منجنون من ذوات الخمسة ، هذا محال ، لأجل تكرير النون ، وإنما هو مثل حندقوق ملحق بعضرفوط ولا يجوز أن تكون الميم زائدة ؛ لأنا لا نعلم في الكلام مفعلولا. ولا يجوز أن تكون الميم والنون جميعا زائدتين ، على أن تكون الكلمة ثلاثية من لفظ الجن ، من جهتين : إحداهما أنك كنت تجمع في أول الكلمة زيادتين وليست الكلمة جارية على فعل مثل منطلق ومستخرج. والأخرى : أنا لا نعلم في الكلام منفعولا فيحمل هذا عليه. ولا يجوز أيضا أن تكون النون وحدها زائدة لأنها قد ثبتت في الجمع في قولهم : مناجين ، ولو كانت زائدة لقيل : مجاجين ، فإذا لم يجز أن تكون الميم وحدها زائدة ، ولا النون وحدها زائدة ، ولا أن يكونا كلتاهما زائدتين ، لم يجز إلا أن يكونا أصلين وتجعل النون لاما مكررة ، وتكون الكلمة مثل : حندقوق ملحقة بعضرفوط.
والشاهد فيه إعمال «ما» مع انتقاض خبرها بـ «إلا» وهذا شاذ ، وخرّج أيضا غير تخريج المصنف على أنه بتقدير : وما الدهر إلا يشبه منجنونا وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا ، فهما منصوبان بالفعل الواقع خبرا ، وقيل : يجوز أن يكون «منجنونا» منصوب على الحال ، والخبر محذوف ، أي : وما الدهر إلا مثل المنجنون لا يستقر في حاله ، وعلى هذا تكون عاملة قبل انتقاض نفيها ، وكذا يكون التقدير في الثاني ، أي : وما صاحب الحاجات موجودا إلا معذبا ، ولا تقدر ، هنا ، «مثل» لأن الثاني هو الأول.
ينظر : شرح شواهد المغني ص ٢١٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٧٦ ، وتخليص الشواهد ص ٢٧١ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣٠ ، ٩ / ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، والدرر ٢ / ٩٨ ، ٣ / ١٧١ ، ورصف المباني ص ٣١١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٢١ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٧ ، وشرح المفصل ٨ / ٧٥ ، ومغني اللبيب ص ٧٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٣ ، ٢٣٠.