فإنّما نصب الجماعة ؛ لأنّ قومى محمول على إضمار فعل ؛ كأنه قال : أزمان كان قومى والجماعة ؛ ألا ترى أنّ المعنى على ذلك.
وأمّا المفعول من أجله : فهو : كلّ فضلة انتصبت بالفعل ، أو ما جرى مجراه ؛ على تقدير لام العلّة ، ويكون معرفة ونكرة.
ويشترط فيه أن يكون مصدرا ، وأن يكون مقارنا للفعل الذى ينصبه فى الزمان ، وأن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلّل (١) ، إلا أن يكون المراد به التّشبيه ، فإن نقص من هذه الشروط شىء فى المصدر غير التشبيهى ، لم يصل الفعل إليه إلا بلام العلّة / ؛ نحو قوله [من الطويل] :
٩٧ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة |
|
كفانى ولم أطلب قليل من المال (٢) |
__________________
وفي البيت شاهدان : الأول : نصب «الجماعة» على المفعول معه ؛ لأن «قومي» محمول على إضمار فعل ؛ والمعنى كأنه قال : أزمان كان قومي والجماعة.
الثاني : إضمار «كان» الناقصة بعد شبه «لدن» ، والتقدير : أزمان كان قومي والجماعة.
ينظر : خزانة الأدب ٣ / ١٤٥ ، والدرر ٢ / ٨٩ وشرح التصريح ١ / ١٩٥ والكتاب ١ / ٣٠٥ والمقاصد النحوية ٢ / ٩٩.
(١) م : باب المفعول من أجله قولى : [أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلل] وذلك نحو قمت إجلالا لك ، أعنى : أن إجلالا قد استوفى الشروط الثلاثة ؛ ألا ترى أنه مصدر ، وأنه فعل للمتكلم ؛ كما أن «قام» فعل للمتكلم أيضا ، وأن الإجلال اقترن بالقيام فى واحد. أه.
(٢) البيت : لامرئ القيس وقال بعده :
ولكنما أسعى لمجد مؤثل |
|
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي |
والشاهد فيه : أن «أدنى» ليس بمصدر ، ولذلك وصل الفعل «أسعى» إليه بلام العلة.
وفي البيت شاهد آخر في قوله : «كفاني ولم أطلب قليل» ، حيث جاء قوله : «قليل» فاعلا لـ «كفاني» ، وليس البيت من باب التنازع ، لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحا ، والأمر ههنا ليس كذلك ، لأن القليل ليس مطلوبا.
وتحقيق المسألة : ذهب الكوفيون إلى إعمال الأول واستدلوا بمثل البيت وقالوا الشاعر فصيح وقد أعمل الأول بلا ضرورة إذ لو أعمل الثاني لم ينكسر عليه الوزن ولا غيره وأيضا لو أعمل الثاني لم يلزمه محذر إذ كان يكون الفاعل مضمرا في كفاني فاختار إعمال الأول ، مع أنه لزمه شيء غير مختار بالاتفاق وهو حذف المفعول من الثاني وفيه دليل على أن إعمال الأول مختار عند الفصحاء ؛ إذ العاقل لا يختار أحد الأمرين مع لزوم مشقة ومكروه له في ذلك الأمر دون الأمر الآخر إلا لزيادة ذلك الذي اختاره في الحسن على الوجه الآخر.