ابن عصفور ومذهبه البصري
عاش ابن عصفور في أوائل القرن السابع الهجري ، أي بعد أن توطدت دعائم المذاهب النحوية الشهيرة : البصري ، والكوفي ، والبغدادي ، فما كان عليه إلا أن يختار إحداها ويسير على نهجه ، أو يستن لنفسه منهجا جديدا.
والذي حدث أن ابن عصفور ومعه علماء الأندلس اتخذوا مذهبا يحمل اسمهم هو المذهب الأندلسي ، له قواعده وأصوله ، لكنها في غالبها أصول المذهب البصري وقواعده.
وقد اختار ابن عصفور المذهب البصري في أكثر آرائه إن لم تكن كلها ، لصحته وشهرته وتفوقه ؛ ولذلك يقول ابن ناظر الجيش واصفا ابن عصفور : «هذا هو مذهب البصريين ، والمعروف عن ابن عصفور أنه جار في تصانيفه لا سيما «المقرب» على مذهب البصريين لا يحيد عن شيء منها».
وكثيرا ما يختار ابن عصفور مذهب سيبويه إمام البصريين وينقل عنه في كتبه ، وخاصة المطولة منها ،
فاختار رأيه في أن «ما» التعجبية اسم تام بمعنى شيء ، واختار رأيه في منع تعدد الخبر ، وفي عدم جواز اقترانه بالفاء إذا كان المبتدأ لا يشبه الشرط ، إلى غير ذلك من المسائل التي تبع فيها ابن عصفور سيبويه.
واختار كذلك مذهب البصريين على المذهب الكوفي ، كما أوّل ما ورد ظاهره موافقا لمذهب الكوفيين حتى يوافق مذهب البصريين وأصولهم ومن ذلك :
ما ذكره من أن أسماء الإشارة لا تستعمل موصولة ، ورد ما استدل به الكوفيون في ذلك ومنه أيضا ما رجحه من فعلية نعم وبئس على اسميتهما ، ورد ما استدل به الكوفيون ، ومنه أيضا أنه لا يجوز التعجب من الأفعال الدالة على الألوان والعاهات ، ومنه كذلك أنه لا يجوز العطف بالرفع على اسم «إن» ، و «لكن» قبل أن يستكمل خبرها.
ولا يعني ذلك أن ابن عصفور كان متبعا لسيبويه والبصريين أبدا ، وأنه لم يعارضهم قط ، لا ، إن ابن عصفور ردّ ـ أحيانا ـ مذهب سيبويه وخالف البصريين أحيانا أخرى.