خلق الانسان في جزئيات دقيقة تغوص في عمق الموضوع جذباً وإستئناساً ووقوفاً عند أمثل مظاهر ، وأبرز جوانبه الكلية ، مشيراً بادئ ذي بدء إلى الأصلين معاً كما في قوله تعالى حاكياً : ( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) الكهف / ٣٧. ومفرعاً على ذلك في تأكيد مراحل الحقيقتين معاً بقوله تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) ) المؤمن / ٦٧. ويتبلور هذا الملحظ شيوعاً بالاستدلال على البعث يوم القيامة من جهة ، والاعتبار بتقلبات الخلقة وتطويرها من حقيقة إلى حقيقة أخرى ، حتى تنتهي مراحل العمر بالعودة إلى أرذله أو بالوفاة ، يتمثل ذلك في قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ) الحج / ٥. أرأيت هذه الحيثيات المنوعة في مراحل الانشاء المتعددة ، ثم قف عندها قليلاً لتجدها عالمية الايجاد لأبناء البشر كافة ، فهي حقيقة فوق الحقائق ، ومنظور إنساني لم يتأقلم ، وقاعدة عامة في الاسترسال التكويني بكل مقوماته لهذا الانسان المخلوق كما هو عليه في قوله تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ (١٤) ) المؤمنون / ١٢ ـ ١٤. ويتابع القرآن مطلق الانسان في الحياة فيذكره بضعفه الواهن فيقول : ( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) النساء / ٢٨.
ويقيمه وهو يتعرض للبلاء فيلتجئ إلى الله مخلصاً له الدين كما في قوله تعالىٰ : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا ) يونس / ١٢. ويمثل غطرسته في ضد هذا فيصوره وقد أنعم الله عليه معرضاً ، قال تعالى : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ) الإسراء / ٨٣. ثم بعد هذا يجعله