عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) ) الحج / ١ ـ ٢. إنها الواقعة والراجفة والطامة والنازلة الكبرى ، تصدق في كل جزئياتها ، وتجد في كل ساعاتها ، فلا كذب ولا لعب :( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢) ) الواقعة / ١ ـ ٢. هنالك يمتاز الناس إلى أزواج ثلاثة كما ينص القرآن العظيم :( وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ (١٤) ) الواقعة /٧ ـ ١٤. وذلك أن الناس يوم الحشر بهذا الاعتبار يصنفون إلى : أصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، والسابقين. فأهل الجنة هم أصحاب اليمين ، وأهل النار هم أصحاب الشمال ، والسابقون هم تلك الطبقة العليا التي اهتبلت فرصة الحياة الدنيا فقفزت باتجاه واحد نحو الله وحده ، سبقوا إلى الايمان ، وسبقوا إلى الخيرات ، وسبقوا إلى العبادة بأنصع مظاهرها فتسنموا الدرجة الراقية في الزلفىٰ. وفي هذا الضوء تنقسم ساحة المحشر للعباد إلى منحنيات متميزة حينئذ : أصحاب الجنة / أصحاب النار / رجال الأعراف ، وحينئذ تصدر النداءات المتداولة بين هذه الأصناف النازلة في الساحة ، بعد عرفان كل شيء ، ورفع الحجب والأستار ، والوقوف عند الحقيقة الهائلة.
قال تعالى : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) ) الاعراف / ٤٤. وفي قبال هذا النداء الضخم المشتمل على كثير من الاستظهار والتحدي والتشفي والاطمئنان المتكامل يصدر النداء الآخر : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) ) الاعراف / ٥٠. فكل أماني هؤلاء الطغاة شيء من الماء أو قليل من الرزق ، ويجبهون يأساً وحرماناً وبعداً بأن الله حرمهما على الكافرين.
وهنا يتجلى دور رجال الاعراف الريادي في المنزلة والحجة وقرع الدليل بالدليل ، وتتحقق تلك المنزلة الرفيعة لهؤلاء الرجال « وبينهما حجاب