وعلى الاعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ». فهؤلاء في حالة وجود الحجاب الحاجز بين أهل الجنة وأهل النار ، وهناك السماك المرتفع الذي يطل منه أصحاب الأعراف على الجمع ، وهؤلاء أنفسهم لهم صلاحية متميزة خاصة عرفوا بها ، إنهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم ، وأهل النار بسيماهم ، فهي خاصية كبرى فريدة ، لا تقاربها خاصية أخرى يومئذ ، تلك الخاصية تنبئ عن القرب الملكوتي من الله تعالى ، وتتحدث عن التصرف بأمره تعالى ، فهم يشرفون على الجمع في ساحة البعث ، فيعرفون كل ذات بالسمة المجردة لها ، والمعرفة بها من الأولين والآخرين ، سواء في ذلك من كان منهم في أعلى عليين ، ومن هبط منهم وانحدر أسفل سافلين.
وهنا يتحدّد الوعد الالهي الحق بأنهم المنصورون ، وأنهم المقربون ، وأنهم الشفعاء ، وأنهم الشهداء ، وذلك في تمام الآية مباشرة : ( وَنَادَوْا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) الاعراف / ٤٦.
فهذا النداء بهذا الامر إنما تحصل قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة ، وهم يطمعون بدخولها ، وصيغة النداء سلام عليكم. ولا تنفس يومئذ ولا تكلم « هذا يوم لا ينطقون ». وحين إعتلاء هذه الحالة آفاق المحشر ، تنحدر الأبصار للطرف الآخر : ( * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) ) الأعراف / ٤٧. وقد يقال بأن هذا دعاء أصحاب الأعراف ولا مانع من ذلك أن يتعوذ المؤمن من الكون مع الظالمين ؛ ولكن التدبر في السياق ، وهو يريد أن يتحدث عن منزلة رجال الأعراف وموقعهم في ذلك اليوم يوحي بأن الضمير في « أبصارهم » و « قالوا » يعود إلى أهل الجنة ، لأنهم في تلك الحال يدعون ويتضرعون كما هو شأن الأبرار ، والتوقيت قبل دخول أهل الجنة الجنة ، وقبل دخول أهل النار النار أيضاً.
وهنا تبدو الحقيقة الأخرى في خطاب أصحاب الأعراف رجالاً من أهل النار : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) ) الأعراف / ٤٨.
هذا النداء الصادر من أصحاب الأعراف للجمع المتكبر من الجبابرة .. فيه تقريع لهم ، وشماتة بهم ، وسخرية بواقعهم ، وتأنيب على