بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
يتبوأ القرآن العظيم مقعد صدقٍ في الضمائر المؤمنة الحيّة ، تستلهم هدايته ، وتستطلع إفاضته ، وتستوحي إشارته.
والقرآن نصّ إلهي تفرد بجمال الأسلوب ، ودقة العبارة ، وعمق العطاء ، وهو كتاب الله الذي نصبه مناراً للإعجاز في شتىٰ عوالمه التشريعية والبلاغية والأسلوبية والتأريخية وسواها ، فليس هناك غرابة أن يجتمع فيه تأصيل الغرض الديني بإعتباره كتاب العربية الأكبر.
إنطوت أربعة عشر قرناً أو تزيد على ميلاد هذا الكتاب المجيد ، وما زال جديداً في عطائه ، وجديداً في أفكاره ، وجديداً في ملامحه البيانية الفذّة ، تحدى الله به الأمم والشعوب والقبائل فوجموا أمام بلاغته العربية ، ونازل به عالم العلماء والعباقرة فانحنت الرؤوس ، وشخصت الأبصار ، وعنت العقول ، وطاول به النصوص الأدبية والتشريعية فانهزمت بين يديه ، كل هذا وفوق هذا مما إمتاز به القرآن الكريم ، فلا غرابة إن حديث المشاعر الإنسانية على مدارسته ، ونصب الفكر البشري في إستكناهه ، فما زال الزمان والتقدم الحضاري معاً يوليان هذا المنبع الثّر أهمية خاصة ، فهو الرافد الذي واكب حياة الأجيال ، وهو الشعاع الذي رافق مسيرة الحضارة.
وقد قدّر لي أن أرافق طبقة مختارة في الجامعات والمجامع العلمية ، والجماهير المثقفة ، وأرى الجميع يتطلعون إلى شذرات من معارف القرآن ، بل ويسألون بألحاف وإلحاح عن طائفة كبيرة من خصائصه وتعليماته ، ويتشوفون شوقاً إلى الإجابة المعاصرة بعيداً عن الأفق التقليدي المتزمت ،