الهدف تقويم اللسان العربي عن اللحن والخطأ ، للحفاظ على سلامة القرآن الأدائية.
حتى إذا نشأت مدرسة الكوفة على يد أبي جعفر الرؤاسي ( ت : ١٤٨ ه ) وتلميذه النابه علي بن حمزة الكسائي ( ت : ١٨٩ ه ) وأشهر تلاميذ الكسائي : يحيى بن زياد الفراء ( ت : ٢٠٧ ه ) ، كان الاستناد إلى القرآن أكثر شيوعاً والاستدلال بشواهد من آياته أرحب مجالاً ، لأن الكوفيين « يؤمنون أن القرآن جاء بلغات فصيحة ، فهو أحق بالقبول ، وأجدر بالأخذ ، حينما تبنى قاعدة ، أو يقرر حكم ، أو يصحح أسلوب » (١).
فكان عمل الكوفة في ظواهر الكتاب حيناً ، وفي القياس النحوي حيناً آخر ، وليتهم إكتفوا بالشاهد القرآني وحده ، ولم يخضعوا لسلطان القياس ، لكان القرآن هو المرجع ليس غير.
إن نشوء هاتين المدرستين في ظل العلم العراقي الفياض ، كان هو الأساس لسلامة اللغة العربية ، وعليه سار المتأخرون من النحاة ، فكان الثروة الطائلة في كل زمان ومكان ، لأن مصادر الدرس النحوي في تفتقت عنهما ، وهما وحدهما موارد هذا العلم لمن أراد الإستزادة ، وكان الدافع الحقيقي وراء هذه الجهود المترامية الأطراف هو الدفاع عن القرآن ، وصيانة التراث من الهجمات المضادة ، وإبقاء العربية علماً شامخاً في حياة اللغات.
الظاهرة الثالثة :
وتتجلى مظاهرها في حياة البلاغة العربية ، فقد نشأت البلاغة العربية في أحضان الاعجاز القرآني ، وتلألأ نجمها في قضايا البيان في القرآن ، فكان الجاحظ ( ت : ٢٥٥ ه ) من أوائل من أكدوا هذا الجانب في جملة من أسراره الجمالية ، فخصص كثيراً من مباحثه في « نظم القرآن » لاستيفاء كنوز العبارة القرآنية ، وإستخراج ما فيها من مجاز وتشبيه بمعانيهما الواسعة ، وكذلك صنع في « البيان والتبيين » فتجد المجاز إلى جنب الكناية القرآنية ،
__________________
(١) عبد العال سالم مكرم ، القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية : ١٢٣.