هذه الجبال هم أهل دين ، وإنا نريد لقاءهم. فكن أنت هاهنا مع هؤلاء ، فإنهم أهل دين وسترى منهم ما تحب ، قلت : ما أنا بمفارقكم. قال : وأوصوا ـ أي أهل البيعة ـ فقال أهل البيعة : أقم معنا يا غلام ، فإنه لا يعجزك شيء يسعنا. قال : قلت : ما أنا بمفارقكم ، فخرجوا وأنا معهم ، فأصبحنا بين جبال وإذا صخرة وماء كثير في جرار (١) وخير (٢) كثير. فقعدنا عند الصخرة فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال ، فخرج كل رجل من مكانه كأن الأرواح انتزعت منهم حتى كثروا فرحبوا بهم وحفّوا ، وقالوا : أين كنتم لم نركم؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكر الله فيها عبدة النيران ، وكنا نعبد الله فيها فطردونا ، فقال : ما هذا الغلام؟ قال : فطفقوا يثنون [عليّ](٣) وقالوا : صحبنا من تلك البلاد ، فلم نر منه إلّا خيرا. قال : فو الله إنهم لكذا ، إذ طلع عليهم رجل من كهف رجل طوال ، فجاء حتى سلّم وجلس ، فحفوا به وعظموه أصحابي الذين كنتم معهم ، وأحدقوا به ، فقال لهم : أين كنتم؟ فأخبروه ، قال : ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيرا ، وأخبروه باتّباعي إياهم ، ولم أر مثل إعظامهم (٤) إياه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر من أرسل الله من رسله وأنبيائه ، وما لقوا وما صنع [بهم](٥) حتى ذكر مولد عيسى بن مريم ، وأنه ولد لغير ذكر ، فبعثه الله رسولا ، وأجرى على يديه إحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص ، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله. وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوراة ، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم ، وآمن به قوم ، وذكر بعض ما لقي عيسى بن مريم ، وأنه لما كان عبدا أنعم الله عليه ، فشكر ذلك [له](٦) ورضي عنه ، حتى قبضه الله وهو يعظهم (٧) ويقول : اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى ، ولا تخالفوا فيخالف بكم ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ. فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء ، فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه ، فقال لهم : الزموا هذا الدين ، وإياكم أن تفرّقوا واستوصوا بهذا الغلام خيرا. فقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله ، وما سواه كفر. قال :
__________________
(١) بالأصل : جدار ، والمثبت عن الدلائل ٢ / ٨٦.
(٢) في الدلائل : وخبز.
(٣) زيادة عن الدلائل.
(٤) بالأصل : عظامهم ، والمثبت عن الدلائل.
(٥) الزيادة عن الدلائل.
(٦) الزيادة عن الدلائل.
(٧) في الدلائل : يعظمهم.