استقرّ في المملكة تقدّم إلى الرومي أن يختار له بلدا معتدل الهواء في الأزمنة الأربعة المتوسّط في حال الّلدونة والرّطوبة واليبوسة نسيمه خفيف رقيق مضيء يستروح إليه القلوب وينفسح له الأبصار. ويختار له من الأحطاب أطنّها صوتا وأطيبها رائحة التي التهابها صاف وحرّها متوسّط ودخانها مع قلّته عذيّ ويختار له من المياه الفرات الزّلال الصافي العذب الخفيف الوزن السريع الامتزاج [بالحرّ] والبرد البعيد الينبوع المنحرف من الغرب إلى الشرق الشديد الجرية الدائم الإقتبال للمطالع فلا يشوبه طعم كرية ولا رائحة منكرة ولا غالب البياض ولا ناصع الخضرة ولا أورق القتمة لطيبة التّربة. وأن يختار له من البلدان أطيبها تربة وأسطعها رائحة وأصفاها هواء وأنقاها جوّا وأزهرها كواكب وأوضحها ضياء التي لا عيون الكبريت بقربها وإذا احتفر فيها آبار لم يحتج إلى طمها القريبة اللّينة المعتدلة الحرّ والبرد في الأزمنة الأربعة لا قريبة من الفلك ولا بعيدة منه لا مرتفعة صعودا ولا منخفضة هبوطا ولا متدانية ولا متباينة من البحار موازية لوسط الأرض وحيث يقل فيها هبوب الرياح العواصف جازها نهر عظيم فقال الروميّ أيّها الملك وجدت أكثر هذه الأوصاف التي يفوتها القليل منها في إيران شهر وهو إصبهان. ولمّا مات بلاش أخو قباذ وكان للعلوم محبّا وإلى الآداب مشتاقا نظر قباذ في كتبه فاستحسن تذكرة الرومي المستوطن إصبهان ففرّق المهندسين في بلدان مملكته وتقدّم إليهم في نفض البقاع ووزن المياه وسوف التّراب والفحص عن أخلاق سكّان البلدان وأعراقهم فانتدبوا لما أمرهم وكتبوا إليه وأعلموه وجدنا أخصب بقاع مملكة الكريم السعيد الرّؤف عشرة مواضع أرمينية (١) وآذربيجان ودسنين وماه دينار (٢) ...
__________________
(١) أرمينية : إسم لصقع عظيم واسع في جهة الشمال والنسبة إليها أرميني على غير قياس بفتح الهمزة وكسرها.
أنظر معجم البلدان (١ / ١٦٠). وقال أهل السير سميت أرمينية بأرمينا بن لنطا بن أومر بن يافث بن نوح عليهالسلام وكان أول من نزلها وسكنها.
وقيل هما أرمينيتان الكبرى والصغرى وهما من برذعه إلى باب الأبواب ومن الجهة الأخرى إلى بلاد الروم وجبل القيق (المصدر السابق).
(٢) ماه دينار : هي مدينة نهاوند وإنما سميت بذلك لأن حذيفة بن اليمان لما نزلها اتبع سماك العبسي رجلا في حومة الحرب وخالطه ولم يبق إلا قتله فلما أيقن بالهلاك ألقى سلاحه وإستسلم فأخذه العبسي أسيرا فجعل يتكلم بالفارسية فأحضروا ترجمانا فقال إذهبوا إلى أميركم حتى أصالحه عن المدينة وأؤدي إليه الجزية وأعطيك أنت منها ما شئت فقد مننت عليّ إذ لم تقتلني فقال له ما إسمك قال : دينار. فإنطلقوا به