خصيصا والي بغداد عمر باشا ١٠٩٠ ه / ١٦٧٩ م ، وتقع على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع القمرية ملاصقة له ، (١) فانتظم الشاب عبد الله في سلك طلبة المدرسة ، وربما استعان ببعض مخصصاتها على مواصلة التفرغ للعلم ، وساعده ذلك التفرغ ، مع ما أوتي من مواهب ، على النبوغ في دراسته والتفوق على الأقران ، وامتثالا لتعليمات شيخه ، فقد حفظ الأجر ومية متنا مع إعراب أمثلتها وأتقنها غاية الإتقان ، وبات موضع اعتزاز شيخه وثنائه ، وشجّعه ما حصل عليه من تقدير على الانتقال إلى شيوخ آخرين ، يأخذ عنهم ويستفيد منهم ، فتنقل بين مدارس بغداد الشهيرة يومذاك ، ويبدو أنه ترك ، في هذه المرحلة من حياته ، الإقامة في بيت أمه نهائيا ، وأمسى يبيت في المدرسة المرجانية في الجانب الشرقي من بغداد ، وهي أكبر مدارس بغداد وأكثرها أهمية ، ثم ما لبث أن انتقل للإقامة والدرس في المدرسة الأحسائية على شاطىء دجلة في الجانب الشرقي أيضا ، وكانت هذه المدرسة تحتوي على غرف بعضها مطل على النهر ، وبعضها في الجهة الشمالية ، وهي تعد مجمع الزّهاد والمتقشفين. (٢)
تاقت نفس عبد الله الكبيرة إلى الاستزادة من علوم عصره ، ومواصلة رحلة الدرس والبحث ، ويبدو أنه أدرك أن لا مزيد هناك إن هو أقام في بغداد وحدها ، فما فيها من شيخ
__________________
(١) وقد عرفت هذه المدرسة باحتوائها على خزانة عامرة بالكتب ، ووصفها السيد محمود شكري الآلوسي بقوله «وكانت في هذه المدرسة حديقة مشتبكة الأغصان ، وخزانة كتب يعجز عن وصفها لسان التحرير ، وهي اليوم خراب ، لا مدرس ولا طلاب ولا تقرير ولا كتاب» (مساجد بغداد وآثارها ، بغداد ١٩٢٥ ، ص ١٣٥) وقد جددت هذه المدرسة سنة ١٣١٩ ه / ١٩٠١ م ، على يد (الحاج عبد القادر البحرية) كما نطقت بذلك الكتابة القاشانية البديعة التي كانت مثبتة في مدخلها ، وجعلتها وزارة الأوقاف مدرسة أولية للصغار الناشئين ، إلا أنها أزيلت تماما عند تجديد جامع قمرية الأخير سنة ١٩٧١ ـ ١٩٧٢ م.
(٢) وهي التي أقام فيها ، فيما بعد ، الشيخ خالد النقشبندي ، مجدد الطريقة النقشبندية في العراق ، فقام والي بغداد سعيد باشا بتجديدها وتحويلها إلى تكية نقشبندية سنة ١٢٣١ ه ، باسم التكية الخالدية ، ولما تزل قائمة حتى يومنا هذا. انظر الآلوسي ، محمود شكري : مساجد بغداد وآثارها ص ٢٦ ـ ٢٧.