لطلبته ، أو للطلبة في عهده عامة ، فأعمال كهذه لم تكن بعيدة عن أيدي الدارسين يومذاك ، وإنما تكمن أهميتها في أنها احتوت ، فيما احتوت ، على روح نقدية جديدة لم نكن نلحظها لدى سابقيه ، من مواطنيه في الأقل ، وبشّرت بولادة اتجاه قوي له (موقف) مما في الكتب الموروثة التي اكتسبت قدسية خاصة لكثرة ما اعتمدها الشيوخ أولا ، ثم مما كان يبرز في واقعهم نفسه من ظواهر اجتماعية مختلفة. ولنبدأ هنا بتوضيح المسألة الأولى ، فعلى رغم أن السويدي قرّض شرح صحيح البخاري للشيخ إسماعيل العجلوني ، وكان عالم دمشق ومحدثها ، بناء على طلب مؤلفه ، فإنه انتقده بقوة مستهدفا منهجه ، إذ وصفه بأنه «مجرد نقول لا محاكمة فيه ولا تحرير معنى ولا ضبط مبنى ، بل إنه ينقل عبارة بعض الشروح ثم يعقبها بعبارة شرح آخر ، ويكون بين العبارتين مخالفة فما يرجّح أحد القولين على الآخر ولا يجمع بينهما ، وتارة تكون العبارتان متفقتين فينقلهما فتؤول إلى التطويل من غير فائدة» وانتقد منهجه في تدريس الشرح بأنه يجري «من غير تقرير ولا تحرير ولا حل إشكال ولا فك تركيب» (١) فما انتقده هنا لم يكن كتابا بقدر ما كان منهجا بأكمله ، ولم يكن العجلوني وحده الذي اختصّ بالتأليف وفق هذا المنهج ، وإنما كان نهج العديد من المؤلفين قبله أيضا ، فعبارة السويدي إذن كانت تحدد موقفا جديدا من مناهج معاصريه ومتقدميه من علماء القرون المتأخرة التي سبقته ، وهم الذين عمدوا إلى شرح المتون والتحشية عليها دون أن يكون لهم (موقف) مما يكتبون. ولا شك في أن السويدي تلافى ما رآه نقصا منهجيا حين وضع شرحه على صحيح البخاري ، ولكن من المؤسف أن هذا الشرح ضاع فيما ضاع من آثاره ، وعلى أية حال فإن في وسعنا تتبع موقفه الفكري هذا في جميع أعماله المتبقية الأخرى ، وها هو في شرحه للامية العرب للشنفرى يصرح بأنه تكلم فيها «على دفع انتقاد ، وتوضيح مراد ، وفك مبنى ، وسبك معنى» وإن هذا العمل جاء مهما
__________________
(١) النفحة المسكية الورقة ١٣٤