وجاءني وأنا في حلب من دمشق كتاب من سيدي العالم النحرير ، والفاضل الشهير ، سيدي الأخ الحميم والخل الصافي المستقيم الشيخ صالح الجنيني بن الشيخ إبراهيم ، وهو : الحمد لله ، غب سلام ونت بروقه ، وهطلت عذوقه ، وأزهرت كمائه ، وأنورت حانه ، (٢٠٩ ب) تخص بذلك حضرة من اختصه الله بأحسن الخصائص ، وصانه من الزلل والنقائص ، أعني به المشار إليه ، أسبغ الله جزيل إنعامه عليه إلى آخر كتابه ، وفقه الله لصالح الأعمال ، وأحسن منه جميع الأحوال.
وجاءني كتاب من دمشق من السيد أحمد بن نقطة تركت كتابته لما تقدم. وأيام كنا في دمشق التمس مني أن أعمل مقامة مضمونها أن السيد محمد بن شيخ الحرم ينبغي أن تجعله سلطانا على جميع ملاح دمشق ، وذلك لأنه يتعشقه ، وله مداعبات مع من يتعشق غيره ، فهو يقول : إنه سلطان وغيره يقول : فلان هو السلطان لمن يتعشقه ذلك الغير ، ولم تزل المخاصمة والمنازعة بين العشاق ، فكل منهم يقول : معشوقي هو السلطان ، ولا يخفى عليك أن أهالي دمشق مشهورون بالخلاعة والتعشق ، حتى علماؤهم الكبار ، وهذا النزاع ما شاع وذاع. ولم يزل هذا السيد أحمد يزيد في الإلحاح ، ويجد في الاقتراح ، وأنا أدافعه بالاعتذار ، وإن هذا لا يليق مني فيجيبني بأن الحافظ السيوطي له في مثل ذلك مقامات كثيرة ، وكذلك أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني له نظم رائق ، (٢١٠ أ) ونثر فائق أكثره يتعلق بمثل ما نحن فيه ، وغيرهما من علماء وأساطين (١) وفضلاء وسلاطين ، لهم مقامات مشهورة ، وحكايات منثورة مذكورة ، ولم تزل المدافعة مني والإلحاح منه إلى أن خرجت من دمشق ، فراسلني بكتاب ، وفيه : أقسم عليك بعيني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا ما عملت المقامة وأرسلتها ، والله إنها عندي تساوي جميع أمور الدنيا ، فكتبت ما حضرني ، وأسندت رواية المقامة إليه ، وقصرت أحكامها عليه ، إلا أني ما صرحت باسمه ، وإنما لوحت برسمه ، لأنه كان يقول : إذا عملتها لا تصرح بأنه السبب فيها ، ولا بأس
__________________
(١) في أأساطير