يرعوي لعنف ولا لائم ، ولا يلوي إلى ناصح مسالم ، بل إنه لم يزل يناوح (١) الحمائم ، وهو حيران ذاهل هائم ، حالف السهاد على الملازمة ، وخالف الرقاد في الملاءمة ، فتأججت زفراته ، وتضرّمت لوعاته ، السيد الذي دعي سيد الطائفتين ، والشيخ الذي رسم بأنه (٢١١ ب) شيخ الطريقتين ، السيد أحمد ، وبابن نقطة عرف ، وبالعطار اشتهر ووصف ، لا زال قلبه غرضا لسهام المحبة ، ولا زالت أشواقه محرقة قلبه ، أما بعد ، فأشواقنا إليكم غير خفية ، وذكرانا لك وافية وفية ، وقد أجبتك إلى ما طلبت ، ومنحتك بما به كتبت ، فعملت مقامة صدرت من غير فكر ولا روية ودثرت في ملابس الاستعجال فكانت غير مرضية ، وجعلت نسبتها لمن هو خفي عليك ، وفي الحقيقة جميع أسانيدها تنتهي إليك ، وهي :
حدثني قيس الشجون ، ونحن بثغر المجون ، قال : أنبأنا أبو الوله الغرام ، ونحن على شاطىء الانسجام. وحدثنا كثير الأشواق ، على مصطبة العشاق ، قال : أخبرنا أبو الفناء باهر الهيام ، ونحن في مدرسة الغرام ، حديثا يخلب القلوب والألباب ويزري بطنين العود والرباب ، إنه قال : كان من عادتي المعتادة وشنشنتي (٢) المستجادة ، التوله بأرباب الجمال ، والتيه والدلال حتى دعيت في هذا الفن بأبي عذرته (٣) ، (٢١١ أ) وبجديله المحكك (٤) وابن بجدته (٥) ، فكنت أقضي الرواحل (والمطيّ ، والمتملي بالمحيا البهي ، فحدثني رواة القوافل ، وثقات الركبان في الرواحل ، من جاب البلاد) (٦) والقفار ، وراد الأنجاد والأغوار ، وتوله بحب الملاح ، واستهون في الوصال بذل الأرواح ، بأن دمشق لأولئك الأقمار مطالع ، ولتلك الجآذر مرابع
__________________
(١) يناوح. يقابل.
(٢) الشنشنة : الخلق ، والعادة.
(٣) يريد بالعذرة هنا : الجدة.
(٤) الجذيل تصغير الجذل ، وهو أصل الشجرة ، والمحكك الذي تحتك به الإبل الجرباء ، يضرب للرجل يستشفى برأيه ، وعقله.
(٥) بجدة الأمر حقيقته ، وابن بجدته : العالم بأمره.
(٦) غير واضحة في أ.