الظاهر من أربعة عناصر ، أولها زمام الأدب ، ومفتاح الأرب ، وثانيها رأس الحلال والحرام ، وخاتمة الفلاح على الدوام ، أول منازل الحوت منزلته ، وأقوى درجات الصلاح درجته ، وثالثها إليه ينتهي العلم وبه يكمل الحلم ، ويتم بالإسلام ويختم به الكلام ، عين الحمد ، وفاتحة المجد ، وقلب العمل ، وعين الأمل ، ورابعها ينتهي إليه العباد ، ويتم به السداد ، فافهم ما عنيت ، وتأمل ما كنيت ، فعرفت ما أراد وما قصد ، وفهمت الذي عليه استند ، وكان من جملة ما طن على مسامعي من وعظه ، وقرع أذنيّ من كلامه ولفظه ، أن قال : أيها المغرمون بالجمال ، المتولهون بأرباب الدلال ، والعاشقون للملاح ، المستهدفون بسهام العيون الصحاح ، أوصيكم وصية من عرف الأمور (٢١٣ ب) وجربها ، وأنصحكم نصيحة من اختبر الأحوال الغرامية وهذبها ، عليكم بمحبة المليح الفائق ، والوداد القويم الصادق ، وتمسكوا من كملت محاسنه ، وعفته ، وصحّت بين أهل الهوى مودته وأخوته ، يعرف مواقع الهجر والوصال ، ويعطي كلا منهما على طبق ما يقتضيه الحال ، وأحذركم من الغلظة والجفاء ، ومن الغدر ومزايلة الوفاء ، وتحملوا من الحبيب مشاق إعراضه وهجره ، وامتثلوا مناهيه واتباع أمره ، وعليكم بالعفة والديانة ، والكمال والأمانة ، وتجنبوا الخيانة فبئست البطانة.
ثم التفت الخطيب إلى يمينه ، وحملق بعينه ، وقال : معاشر الحسان ، وطائفة المردان! عليكم بمن عفّ وكتم ، فلا يخالطنكم في مخالطته لوم وندم ، وتجنبوا من غدر وفسق وهجر واخال (١) فكر ، وإتباع فقر ، فقر ، وتمسكوا بمن انطوت على العفاف طويّته ، وتنزهت عن الخلاف عزيمته ونيته ، وطابت سريرته ، وازدانت سيرته ، إن قرب تقرب ، وإن أبعد (٢١٤ أ) تهذب وإن منح بوصال عف ، وإن قدر على فجور كف ، وأعطوا كل عاشق ما يستحق من الإسعاف ، وامنحوه على قدر حاله من الألطاف ، وقربوه حسب ديانته وعفافه وأمانته ، وإياكم من التمادي في الهجران والإسراف في الوصال والإحسان ، بل اسلكوا طريقة بين طريقتين ، وحقيقة بين حقيقتين. وإني أراكم أيها الملاح قد تعودتم العادات القباح ، تصلون
__________________
(١) كذا في أ، وفي ب (احتال) ولعل الصواب : احتيال.