٥ ـ عنايته بجغرافية المدن :
ا ـ معاييره في تصنيف المدن :
قدّم السويدي ، من خلال رحلته ، معلومات قيمة عن أحوال المدن والقرى العربية في عصره ، وقد كان دقيقا في تصنيفه المستوطنات البشرية التي مرّ بها ، إذ نراه يفرّق بين المدينة والبلدة الكبيرة ، والبلدة الكبيرة والقرية والقلعة ومحطة الطريق ، أو المرحلة ، ففي حين عدّ الموصل وحلب وحمص وحماة ودمشق والمدينة المنورة مدنا ، وصف كلا من تكريت وأسكي موصل بأنها بلدة كبيرة ، وعد كلا من الخانوقة ودنيسر والرّها ومعرّة النعمان والبلقاء بأنها بلد أو بلدة ، والبيرة بأنها بليدة ، هذا بينما وصف الباب والنبك وسرمين بأنها قرى كبيرة ، في حين وصف قرى أخرى مثل تل موس وعين زال ونصيبين وقره دره وخان شيخون وقاره والعلى بأنها مجرد قرى ، وعد نواحي أخرى مثل : بريج ، الزرقاء ، المزيريب ، القطران ، عنزة ، المدورة ، ذات حج ، تبوك ، الأخيضر ، المعظم ، آبار غنم ، هدية ، قلاعا ، وإن وجد حول بعضها عدد من البيوت. وليس من العسير تحديد معاييره في هذا التصنيف ، إذا ما حللنا طبيعة المعلومات التي أوردها عن كل صنف من أصناف المستوطنات هذه ، فالمدينة هي التي تتميز بوجود دار للحكم (سلطة سياسية وإدارية) وأسواق متنوعة ، وخانات للتجار والمسافرين (نشاطات اقتصادية) وجوامع كبيرة ، ومدارس ، ووفرة في العلماء (نشاطات ثقافية وروحية) فضلا عن الأسوار والحصون وبعض المظاهر الأخرى. أما البلدة ، فالأوصاف التي أوردها عن بلدة كمعرة النعمان ، تشير إلى أنها تلك التي تتميز بوجود أسواق ، وجامع كبير ، وحمام ، وليست البلدان الكبيرة ـ على ما نفهم من وصفه لتكريت وأسكى موصل ـ إلا مدنا قديمة ، أدى خرابها إلى فقدانها صفتها (كمدن) ولكنها لم تبلغ حد أن تتساوى مع (بلدات) ناشئة ليس لها تراثها أو شهرتها. وعلى هذا الأساس نفسه عد مدنا لها مكانتها السالفة كنصيبين مجرد قرى لأنها «مشرفة على الخراب لا جمعة فيها ولا جماعة».
وتتميز القرى ، بحسب وصف السويدي ، بوجود بساتين قريبة ، مما يدل على غلبة النشاط الزراعي على أهلها ، ومع ذلك فإنه وصف قرية حسية الصغيرة بأنها «لها خان كبير