موقفهم من العربية
وأغرب منه أن المالطيين يأنفون من تعلّم العربية بسبب المثلية بينها وبين لغتهم وهو عين السبب الذي يوجبه عليهم لكونهم والحالة هذه لا يعانون في تعلّمها مشقّة وعناء ، ومع أن المالطيين الذين يعاملون أهل العربية كثير ، والقاطنين في بلادهم هم أكثر فما أحد منهم يهمه أن يتعلّم العربية قراءة وكتابة ، على أنك تجد في جميع بلدان أوروبا أفرادا يدرسونها حقّ دراستها.
مناقشات وردود
ثم إن آراء الناس لمّا كان من شأنها التفاوت والتباين في جلاء الحقائق ولا سيّما إذا كان محل البحث غير منتسق على وتيرة واحدة ، وكانت اللغة المالطية تشتمل على ألفاظ من لغات مختلفة اختلفت فيها الأقوال والأحكام ، فزعم بعضهم أنّها فينيقية لوجود كلمتين فيها منها وهما (البير ، والصيد) كما مرّ بك في أول هذا الكتاب ، وزعم آخرون أنّها حبشية لوجود لفظة واحدة فيها وهي (المنبر) ، فإنّ معناها عندهم الكرسي الذي تلد عليه المرأة كما هو في الحبشية ، وهو وهم على ما تحقّقته من أهل اللغة المذكورة.
وعلى فرض صحّة ذلك فلا ينكر أحد أنّ كثيرا من الكلام العربي الذي بقي في أهل مالطة مستعمل بطريقة المجاز إمّا بذكر اللازم وإرادة الملزوم ، وإمّا بتخصيص العام وتعميم الخاص كقولهم مثلا : وحلت للوقوع في الأمر الصعب ، وأصله الوقوع في الوحل خاصّة ، ونحو الطّلاب للمتكفّف (١٠٥) ، وهو اسم فاعل للمبالغة من طلب في كل أمر ونحو مغلوب للنحيف وهو اسم مفعول من غلب ، وهو لازم له غالبا ، وفتيت أي قليل ، وهو من فتّ الشيء إذا كسرته وصغّرت جرمه ، وأشباه ذلك ما لا يحوج
__________________
(١٠٥) تكفّف السائل : بسط كفّه في المسألة فهو متكفّف. (م).