ضرورة أنّهم لم يطّلعوا على محاسن أصلها الذي حلّئوا (١٠٦) عنه.
نعم إن أهل الشام ومصر والحجاز وغيرهم قاصرون عن اللحاق بأهل العربية الفصحى ، ولكن ما منهم إلا من يشعر بقصوره عنها ، ويدري عظم التفاوت بين الطرفين ، وكلّ يودّ لو يصل إلى درجة الكمال في معرفتها ، وكنت ذات يوم سائرا مع جماعة منهم فأخذ أحدهم يصف لغتهم ، وجعل من محاسنها اجتماع الألفاظ العجمية فيها كأنه يقول : إنّها انتقت ما شاق وراق فمثلها مثل العجوز التي رأت زوجها يزني.
تعصّب المالطيين ضد العرب
ولشدة تعصّب المالطيين على أهل العربية وتشنيعهم عليهم ، إذ كان منتهى السّب عندهم أن يقولوا عربي ، كان الإنكليز وسائر الإفرنج أقرب منهم إلى تعلّمها غالبا ، ولو كان عند أولئك ركن منها عظيم ، وذلك أن المالطي العنيد إذا سمع في العربية مثلا لفظة خرج ، وكانت عادته منذ نطق أن يقول حرج فلا يرى في ذلك كبير فرق ، ولا يرى أن نقطة صغيرة تقوّم المعنى أو تفسده بخلاف من يتعلّم من أول الأمر أن يقول الكلمة على حقّها. وكانوا إذا سمعوني وصاحبي نتكلّم قالوا ليس من فرق كبير بين اللغتين إلا عجمة في لغتهم يعنوننا ، ولا يخطر لهم ببال أن لغة لم تضمّن بطون الأوراق ، ولم تضبطها الأحكام النحوية لا تكفي النوع الإنساني.
وقد تصدّى مرّة أحد مؤلفيهم إلى تأليف كتاب نحو فيها ، فكتب بعد طالعته : «ألف بتو اللغة المالطية» ، ثم ذكر العين بعد الألف ، فكان خلفا لأن جميع اللغات التي تبتدئ بهذا العنوان تكتب فيها الباء بعد الألف ، فلمّا وقفت على ذلك كتبت له :
يا قائلا ألفا بتّو |
|
وبعدها ألف عين |
__________________
(١٠٦) حلئوا عنه : انفصلوا ، وبانوا. (م).