جينوى
ثم سافرنا منها إلى جينوى فبلغناها فجر الخميس ، وهذه المدينة مشهورة بكثرة الصروح العالية والديار الشاهقة جدّا ، وفيها قصور كثيرة من المرمر ، وبساتين ناضرة وفاكهة طيّبة ، وهي في نجوة (١١١) من الأرض متفاوضة (١١٢) الوضع ، وطرقها أضيق من طرق ليفورنو ، ولهذا كانت عواجلها أقل من تلك ، إلا أنّ الشمس لا تستحكم في مسالكها لكثرة شرفات الديار المائلة ، فكأنّها مبنيّة من أصلها لحجب الشمس. وفيها حوانيت بهيجة ولا سيّما حوانيت الصاغة ولها قنطرة قديمة شاهقة جدّا إذا نظرت منها إلى الحضيض هالك ارتفاعها. وفيها الفاكهة الطيّبة ، والخبز النظيف ، ومحل قهوة في غيضة أنيقة ، وهي في الحقيقة نزهة للناظرين وما أشبّهها إلا بدمشق ، وليس على من يدخلها إن يدفع شيئا.
لمحة تاريخية
كان تأسيسها في سنة ٧٠٧ قبل الميلاد ، وكانت في زمن دولة الرومانيين حافلة غنّاء. وفي القرن الحادي عشر امتدّت تجارتها بحرا وبرّا ، وفي مدّة الحروب الصليبية صارت مضاهية لفينيسيه في الغنى والثروة حيث كانت موردا للعساكر التي كان يراد تجريدها إلى البلاد المشرقية ، ثم وقع فيها من الفتن والتحزّب ما أضعف دولتها فدخلت في حماية دولة فرنسا ، ثم في عهدة شارلكان (أي كارلوس الخامس الشهير) فاستخلصها من الفرنسيس ، وصارت تتحزّب مع إسبانيا عليهم ، وفي سنة ١٧٩٦ استولى عليها الفرنسيس أيضا وفي سنة ١٨٠٠ حاصرهم فيها الإنكليز والروس وعساكر أوستريا حصارا ديدا فاضطروا إلى تسليمها ، ثم رجعت إلى عهدة فرنسا. وفي سنة المهادنة وهي سنة ١٨١٤ سلّمت لملك سردينية.
__________________
(١١١) في نجوة من الأرض : في مرتفع. (م).
(١١٢) في الطبعة الأولى : متفاوتة الوضع : وهي الأصوب. (م).