ضخمة جزيلة ، وبعد إجراء هذا النهر كثرت عندهم الحياض والعيون ووفرت الفاكهة والبقول ، وصارت بساتينها في غاية الريع والنضارة.
وفي هذه المدينة عدّة عرصات محفوفة بالشجر يتمشّى فيها الناس ، وتضرب فيها آلات الطرب العسكرية ، وفي أحد هذه المماشي حوانيت تفتح خمسة عشر يوما في السنة تجمع إليها جميع التحف والطرائف وأكثر البلعة فيها بنات حسان فإذا مررت بحانوت حرت بين أن تنظر إلى البائعة أو إلى البياعة. وفيها يوجد أيضا محالّ للعب والغناء واللهو ومشاهدة غرائب الأشياء مصوّرة على خارج المحل دليلا على وجود أعيانها في داخله.
وقد أخبرني من يوثق به أنّه شاهد فيها امرأة ورجلا قد عصب على عينيها بمنديل لكيلا تبصر الحاضرين ، ثم جعل يأخذ من بعضهم خاتما ونحوه ويجعله في كفه مطبقة عليه ثم يسال المرأة عمّا بيده فتجيبه ولا تخطيء ، وإنّه أخذ مرّة درهما قيمته عشرون فرنكا وسألها فقالت : في يدك درهم قيمته عشرون فرنكا. فقال : ويحك ليس في هذه البلاد درهم على هذا الضرب. فقالت : إنّه من ضرب الصين. وكان كذلك ، وسألها مرّة أخرى عن درهم فرنساوي فأجابته بأنه يساوي كذا ، وقد ضرب في عام كذا ، فلمّا سمعت ذلك أعظمته لما أنه كان أول مرّة طرق مسمعي ، ثم لما شاهدته عدّة مرار بمرأى العين في باريس ولندرة سقط اعتباره من بالي إذ تحقّقت أن مع السؤال الذي يلقيه الرجل على المغمض العينين ينبههه على نوع ذلك الشيء المسؤول عنه بلحن من القول لا يدركه إلا هو وعلى كل حال ففي التلقين والتلقن حذق ودربة. وفي الجملة فإن مرسيلية إنّما يستحسنها من قدم إليها من البلاد المشرقية لا من باريس ولندرة.
في الطريق إلى ليون
ثم سافرنا من هذه المدينة في الساعة الرابعة يوم الأحد في سكّة الحديد ، فكان البحر عن شمالنا والجبال والغياض عن يميننا فلم يكن منظر أبهج منه ، وأظن أن بلاد فرنسا أكثر بلاد الدنيا غياضا وحدائق. وكثيرا ما كنّا نسير في حافلة المجدّ نحو ساعة