السفينة نحو خمس ساعات إلى لندرة ، والسفر فيه بهيج من جهة أن السفينة تسير فيه سيرا خفيفا لا اضطراب فيه ، وترى فيه من البواخر الصاعدة والمنحدرة ما يشغل الخاطر ، وله عند الإنكليز شأن عظيم. ويحكى عن الملك جامس الأول الذي ألحق حكومة مملكة سكوتلاند بإنكلترة أنّه لّما نقم على أهل لندرة أشياء أنكرها أراد أن ينتقل ديوانه منها فقال له ضابط البلد ـ ويقال له بلغتهم مير ـ : إذا كان لا بد من ذلك فلا تنقل نهر التامس معك. وهو كلام بليغ يشير إلى إن أهل المدينة ربّما يستغنون عن الملك بوجود هذا النهر لأنه من أعظم الأسباب الميسرة للتجارة ، ولو لاه لما حصلت لندرة على هذه الثروة والسعة.
والمأكول والمشروب في هذه السفن ، التي تنقل الركاب من فرض بلاد فرنسا وأكثرها للإنكليز ، غاليان جدّا ، فإن قنينة الشراب في تلك الفرض تساوي فرنكا وفي السفن ستّة فرنكات ، وقس على ذلك.
ثمّ لما بلغنا لندرة أخذت أثقالنا إلى الكمرك ، وفتشت فلم يجدوا فيها ما يوجب الأداء ، إلا أنا أدّينا على كلّ صندوق وكلّ حاجة مستقلة نحو خرج وغيره نصف شلين ، ثم تبوأنا محلا في إحدى الديار ، وبعد أن استرحنا سافرنا منها في سكة الحديد إلى بلدة «وير» بقصد المسير منها إلى القرية التي يسكن فيها الدكطر لي الذي اعتمدته الجمعية لأن يكون معارضا ترجمتي بالأصل الذي أترجم منه.
الدكطرلي
وكان للمذكور شهرة عظيمة عند الإنكليز في معرفة اللغات الشرقية ، وكان في مبدأ أمره نجّارا لكنّه أكبّ على العلم ، وقد فات الثلاثين سنة ، فحصّل معلومات غير يسيرة ، غير أنّه لم يتمكّن من اللغات التي حاولها ، وسيأتي ذكره بعد هذا.
البحث عن الطعام
وحيث كان اسم القرية المذكورة مكتوبا على أثقالنا فلمّا بلغ الرتل إليها وضعوها