في الموقف ، ونحن لم نشعر بذلك ، وبقينا سائرين فيها حتى إذا وقف مرّة ثانية سألنا عنها فأخبرنا بأنّا تجاوزناها بنحو ثلاثة أميال ، فرجعنا إليها مشاة فوجدنا حاجاتنا سالمة ، فسرت في طلب شيء للأكل ، فلم أجد فيها مطعما ، فقلت لأحد الوقوف : ألا نجد طعاما هنا؟
قال : هلمّ معي. فأخذني إلى الجزّار ، وذلك لأن مرادف لفظة الطعام عندهم يستعمل غالبا في اللحم.
قلت : إني أريد شيئا آكله ؛ فدلّني على حانوت بقربه ، فتوجّهت فلم أجد إلا الخبز. قلت : ما الخبز وحده أريد. فدلّني على دكان آخر ، فذهبت فوجدت به الفطير فقط ، فعدت خائبا ، ولقيت بعض الشرطة فقلت له : ألا تهديني إلى محل للأكل؟ فدلّني على موضع زعم أنه شهير يقصده جميع المسافرين ، فتوجّهت فوجدت صاحبته امرأة ضخمة فظّة تحاول إظهار السيادة والإمارة في وجه قاصديها ، فسألتها : هل عندك ما يؤكل؟ قالت : ما عندي سوى البيض ، فتبلّغنا بما عندها ، ورجعنا إلى الموقف حتى جاء الرتل الذي يسير إلى رويستان وهي قرية جامعة. وقد ذكرت هذه الحادثة هنا دليلا على ما يرى من الفرق بين بلاد الإنكليز وفرنسا ، فإن القرى الحافلة في هذه ولا سيّما التي يقف فيها المسافرون يوجد فيها كل ما يشتهي الإنسان من المأكول والمشروب ، وحين كنّا نسافر فيها وتقف حافلة المجدّ كنّا نرى النساء يتسابقن إلينا حاملات لأطباق الفاكهة الطيّبة ويعرضنها على السّفر ، وكنّا نجد أيضا في المطاعم كلّ ما تشتهيه الأنفس.
الوصول إلى بارلي
ثم سرنا إلى رويستان ومنها إلى قرية بارلي وهي على بعد ثلاثة أميال منها ، فبلغناها في الساعة الحادية عشرة ليلا ، فتوجّهت إلى دار الدكطر لي فوجدته مستعدّا لتلقّي الأحلام السعيدة ، فقال لي : قد كتبت إليّ الجمعية تخبرني بقدومك ؛ فينبغي أن تذهب الليلة لتبيت في خان القرية. فبتنا فيها ، وفي الغد كتب إلى الجمعية يخبرهم بأنّه أكرم مثواي ، وعني بإنزالي منزلا مريحا ؛ فشكروه على عنايته.