وعقائدهم ، وشرائعهم ، وذكر منها ما يسوء وما يسرّ ، وأشاد بحبّهم للعمل ، واحترامهم للحقوق العامّة ، وحسن إدارتهم ، وضبطهم للمصالح العمومية ، وحبّهم لبلادهم ، ثم بيّن الفرق بين خاصّتهم وعامّتهم في العادات والأخلاق ، والسلوك. فعامّتهم على حد تعبيره : «لا تكاد خلائقهم وعاداتهم ترضي أحدا من البشر ممّن كان ذا ذوق سليم ، وطبع مستقيم». (٦)
كما تحدّث عن الفروق بين سكان المدن ، وسكان القرى ، وذلك بعد معاينته المباشرة للعديد من الحواضر ، والأرياف في كل من إنكلترة ، ووالس ، وإرلاند ، فجاءت أوصافه للبريطانيين وافية. ثمّ توقّف طويلا عندما أنجزوه في ميادين الحياة كافّة من فنون وعلوم وصناعة وتجارة ، ولم يخف فضوله لمعرفة حقيقة ما اخترعوه ، واستحدثوه من آلات عجيبة كالتلغراف ، والقطار ، والمطبعة وغيرها.
ولما انتقل إلى باريس تناولها بالوصف الدقيق والشامل لكلّ ما فيها من دور وشوارع وأسواق ومنازه ، ومبان ، ومصانع ، وملاه ، ومطاعم ثمّ وصف الناس وعاداتهم وطباعهم ، وعقد مقارنات كثيرة بين باريس ولندرة ، ومن ثم بين الإنكليز والفرنسيس من حيث الطباع والأخلاق ، والعادات ، والنظم ، والمعارف ، والمخترعات. وشفع ذلك كلّه بإحصاءات دقيقة وموثقة عن فرنسا وإنكلترا وسواهما من دول أوربا إلى جانب الدول المتّحدة (أمريكا). ويمكن للقارئ الاطلاع على تفاصيلها بالصيغة التي اعتمدها الشدياق نفسه ، وبالكيفية التي أرادها.
وبعد هذا التعريف الموجز بالكتاب ومؤلّفه لا بدّ من التذكير بأن الشدياق توخّى ممّا قدّمه عن تمدّن أوربا أن ينقل لأبناء جلدته الخبر اليقين من موقع الرائد ، لا من موقع السائح الذي يستمتع بما يرى ؛ فيلتقط من المشاهد ما يروق له ، أو ما يمتع به قرّاءه ، كما أنّ معرفة هذه الحضارة والتعريف بها ضرورة لازمة من ضرورات الإصلاح والنهوض.
ولعلّ مواكبة الشدياق ـ أثناء وجوده في مصر ـ لمساعي محمد علي باشا الجادّة لبناء دولة عصريّة مستفيدا ممّا أنجزه الغرب ، وما نمي إليه عن مساع تونسية مماثلة ،
__________________
(٦) انظر كلامه عن عامة الإنكيز وخاصتهم صفحة ١٥٥.