فأما عدد الأهلين الآن بالنظر إلى صغر الجزيرة فإنه عظيم جدّا ولم يعهد من قبل قطانها كانت تحوي هذا المقدار وإنما يعلم أنها كانت مأهولة بأسرها إلا أن بعض جهات منها خلت عن السكان كما يستدلّ على ذلك من الآثار الباقية ، وما وصل إلينا من أسماء بعض قرى لا وجود لها. وسبب ذلك ـ فيما قيل ـ أن المالطيين حين كانوا تحت ولاية الأرجونيين وجدوا أنفسهم عرضة لغزو المسلمين المتتابع ولهجوم لصوص أفريقية ، فجعلوا مقرّهم شرقي المدينة صيانة لعرضهم ومالهم ، وأخلو الجهة الغربية.
وذكر بعض الجغرافيين أنّ مالطة كانت تسمّى في القديم هيبرية وقال بعض : إنه لم يوجد في بلاد أوربا جزيرة عرفت بهذا الاسم وإنما هو اسم مدينة قديمة في صقلية ، ثم عرفت أخيرا باسم كامرينة. ولما استوطن الفينيقيون هذه الجزيرة سمّوها أوجاجية ، وسمّاها اليونانيون : مليتة ، واشتهر ذلك في سنة ٨٢٢ قبل الميلاد ، وسمّاها المسلمون مالطة ، ومعنى ميليسة أو ميليتة في لغة اليونان النحل ، وزعم قوم أنّها سمّيت باسم ميليتة ابنة دوريس على جهة التعظيم ، وهو مشتقّ من ميلت في السريانية ، وهو اسم إله ، ويعرف في غيرها بجونوا ، ولا يبعد أن يكون ذلك أيضا في اللغة الفينيقية. قال : وروى بعض المؤرخين أن بناء مدينة فوتابيلي كان بعد الطوفان بنحو ألف وأربعمائة سنة ، وأعظم ما فيه عبرة من مبانيها قبل تاريخ النصارى هياكل جونوا وأبروسربين وهركوليس وأبولو فموقع الأول هو بين فيتوريوزة وصانت أنجلو.
ويحكى أن ملك نوميدية الذي كان دأبه غزو مالطة كان قد أخذ منه قطعة بديعة من العاج وأهداها إلى أستاذه ، ففرح بها أولا غاية الفرح ، ولكن لمّا علم أنّها أخذت من الهيكل ردّها إلى الملك والتمس منه أن يعيدها في محلها وموقع هيكل أبروسربين في قلعة تسمّى مطرفة وقد وجد فيه آثار ، وموقع هيكل هركوليس في جهة الجزيرة الجنوبية بالقرب من مرسى سيروكو (أي مرسى الشرق) وهو من بناء الفينيقيين ، وقد وجد فيه آثار كثيرة. وموقع هيكل أبولو عند فوتابيلي وهو من بناء الإغريقيين ، وكان ذا رونق عظيم ، ويقال إن جملة ما أنفق في بنائه بلغ سبعمائة وتسعين سسترسيا ، وقد علم ذلك من وجود صنم نصبه له مجلس عام ، ووجد أيضا آثار حمام في محل اسمه قرطين.