في هواء مالطة ومنازهها وغير ذلك
إنما قدمت هذا الفصل من كلامي لأهميته فإن العافية خير ما ملك الإنسان ، وإن أرضا لتأكل من نازلها لجديرة بان لا يؤكل منها. فأقول قد تقدّم فيما مرّ بك موقع هذه الجزيرة ، وبقي الآن الكلام على هوائها من حيث هو هو فإن الهواء لا يعرف غالبا من مجرد نسبة الموقع ، أما اشتقاق اسمها إن كان عربيا فمن م ل ط ومعظمه يدل على التجرد والخلو ، أو التجريد والإخلاء ، فتكون قد سمّيت بذلك لخلوّها عن الغياض والجبال والانهار وغيرها. وفي القاموس : ومالطة كصاحبة د (أي بلد) ، وكان عليه أن يذكر خصوص كونها جزيرة فإنه كثيرا ما يتعقب الصحاح بمثل ذلك. فأما قوله أولا ملط شعره حلقه ، ثم قوله بعد فاصل والأملط من لا شعر على جسده ، وقوله في أول المادة الملط الخبيث لا يرفع له شيء إلا سرقه ، ثم قوله عند الآخر وامتلطه اختلسه ، فن اختلاط الترتيب في التركيب.
وممّن ذكر مالطة أيضا المطران جرمانوس فرحات في كتابه المسمّى (باب الإعراب عن لغة الأعراب) قال : ومالطة جزيرة عاصية متقاصية قرب صقلية سكانها لصوص البحر. قلت : لعلّ تأليفه هذا الكتاب كان قبل سفره إلى رومية وإلا لما قال متقاصية ، أو أنه جاء بها للمجانسة. أما قوله سكّانها لصوص البحر فينبئ بما كان لأهلها حينئذ من الشهرة الذميمة عند أهل المشرق ، وكأن هذه الصفة كانت غالبة عليهم حتى أنسته أن يقول : لغتهم العربية ، ودينهم النصرانية.
فأما الصحاح فذكر ملطية في بلاد أرمينية والآن تعدّ من البلاد التركية. أما هواء مالطة فلا يحمده من ألف البرور الواسعة لأنه كثير التقلّب فيختلف في الليل والنهار عدّة مرار فقد يكون في الصباح صحو فلا تشعر إلا والغيم قد طبّق أعنان السماء ، فيكفهرّ الجوّ ويهيج البحر وتثور الزوابع ، وتزمر الرياح فترقص لها الأبواب ، بل قد يكون في النهار برد وفي الليل حرّ ، هذا في الشتاء. فأما في الصيف فلا ترى في