طرب ولا كرسي يجلس عليه. ولو كان مثله في باريس أو في مصر أو الشام لرأيته من أوله إلى أخره مرصوفا بالكراسي والمتّكآت ومشتملا على كل ما تطيب به النفس. وفي الجملة فإن الإنكليز والمالطيّة جميعا لا ذوق لهم في مثل هذه الأمور.
ثم البوسكيت ومعناه الغيضة (٢٩) وهو على بعد ثلاث ساعات من فالتية وهو سيء المنحدر قليل الجدوى ، فإنه عبارة عن شجرات معدودات وزهرات شعث لا صنعة في تنبيتها إلا أن فيه قبوة (٣٠) فيها عين نضّاحة ، وحولها مائدة ومقاعد من حجر يقعد عليها الآكلون ، فهذا الموضع أنزه موضع في الجزيرة ، وذاك الماء أعذب ماء بها ، وبقربه برج كان في القديم سجن (٣١) يعذّب فيه من يخالف الكنيسة كما كانت العادة أيضا في إسبانيا وغيرها.
ثم المطحلب وهو أنظر من البوسكيت وأبعد لكونه عند أقصى مالطة طولا ، وفيه بركة يعلو ماءها طحلب وكان الموضع سمّي به. ونواعيرهم نحو نواعير الشام ومصر. وأهل تونس وطرابلس يستعملون السانية وهي في اللغة الناقة يسقى عليها ويطلقونها على البستان.
والحاصل أنّ جزيرة مالطة لا تعجب من الإفرنج إلا القليل ، وذلك لأنّهم إذا جاؤوها لم يجدوا فيها شيئا غريبا لا يوجد في بلادهم ، فإن كل ما فيها إن هو إلا نفاية ما عندهم. هذا وليس منهم من يرغب في علم اللغة المالطية إذ كانوا يعلمون أنها عربية فاسدة ، وليس فيها من الصنائع والفنون ما يجهله أهل الرستاق منهم فضلا عن المتمدنين ، وانما هي مجاز يجوزون منها إلى الشرق. نعم إنّ بعضا من المظلومين في إيطاليا وخصوصا صقلية يأتون اليها للاستئمان ، وإنها لما كان موقعها بين عدّة برور شرقية وغربية حصلت على هذه الشهرة ولا سيّما الآن فإنه قد يتعذر السفر إلى بعض جهات الشرق من دون المرور بها.
فأمّا العرب فربّما لا تعجب منهم أحدا وذلك لأن أهل مالطة جميعا يكرهون
__________________
(٢٩) الغيضة : مجتمع الشجر. (م).
(٣٠) القبوة : بناء مقوّس يعقد بعضه إلى بعض. (م).
(٣١) كذا وردت في الطبعتين ، وصوابها : سجنا. (م).