في جميع الحيطان ، وما عدا ذلك فإن لها رواشن (٣٦) خارجة من الحائط موضوعة بحيث تمنع النور والهواء ، وهي عالية لا يمكن لمن يكون في الحجر أن يرى منها شيئا إلا إذا كان واقفا فيها أو جالسا على كرسي وهي أشبه بما يسمّيه أهل الشام كشكا ، ويقال إن وجود هذه الرواشن بمالطة هو أحد الأدلّة على كونهم عربا إذ هي لا توجد في بلاد الإفرنج إلا في ما فتحته العرب منها ، وربّما كان في الدار الواحدة ثلاثة رواشن ، وقلّ أن تجد دارا ذات ثلاث طبقات صالحة للسكنى ، والأغلب اثنتان ، وإن وجد فالثالثة إنّما تكون للوازم الدار. وقلّ أن ترى فيها دارا مبلّطة بالرخام حتى إنّ قصر الحاكم ليس فيه ولا بلاطة منه ، وإنّما المستعمل في ديار كبرائهم البلاط المعروف ، ولكن يدهنونه بالزيت مرارا بعد أن يكشط وجهه فيصير له لون كالكهرباء ، وكذلك قلّ أن ترى في الديار التي تكرى خزائن أو مخادع أو رفوف ، وإنما يلزم شراء ذلك على حدته وليس فيها ولا في غيرها فوارات ولا ساحات فسبحة كديار دمشق ولا إسطبلات. ومن كان عنده فرس ربطه في الخارج ، وأقل من ذلك الممارات فإنّهم يشترون مؤنتهم يوما فيوما بل ربّما إذا ادّخروها فسدت كما تقدم ، ويرون ذلك تخفيفا للكلفة فإن صاحب العيلة إذا ربى في منزله الحيوان ، وخزن المونة واتّخذ الخبز كان له ولأهله شغل شاغل ، ولعل سبب ذلك في الأصل عدم انتقال الأسعار.
ومما يقبح ذكره هنا أن أكثر البيوت الصغيرة ليس فيها مراحيض ؛ فيرفع أهلها أقذارهم في وعاء ، ويقذفون بها في الطرق ليلا فيأتي الكنّاسون للطرق صباحا ويزيلونها. وقد كانت العادة من قبل أن المحبوسين لجرائرهم هم الذين ينظّفون الطرق بأن يخرج بهم شرطي وهم مقيّدون. والظاهر أنّ المالطيين قبل مجيء الإنكليز إلى جزيرتهم لم يكن عندهم مراحيض وإنّما كانوا يستغنون عنها بثقوب ينقبونها في أسفل الدار ، وكانوا غير محتاجين إليها أصلا كما قال الشاعر :
من يكن عيشه كعيشك هذا |
|
فلتكن داره بغير كنيف |
__________________
(٣٦) الرواشن : جمع روشن : الكوة في الجدار (فارسية). (م).