اختراع الطباعة
أمّا صناعة الطبع فقد اختلفت الأقوال في مخترعها ، فبعض المؤرخين نسبها إلى منتز ، وبعضهم إلى استرازبورغ وهارلم ، وبعضهم إلى فينيسيا ورومية ، وبعضهم إلى فلورنسه وباسيل. وفي رواية أدريان جونيوس أن مخترع الطبع هو يوحنا كستر من هارلم ، طبع على خشب كتابا فيه حروف وصور على وجه واحد ، وذلك في سنة ١٤٣٨. قال وفي سنة ١٤٤٢ أنشأ يوحنا فوست مطبعة في منتز وطبع فيها كتابا ، وزعم بعض أن أول كتاب طبعه كان كتاب المزامير. وقال آخر لا شك أن الطبع على قطع الخشب كان معروفا عند أهل الصين ، وذلك قبل تاريخ النصارى بأحقاب عديدة. وكذلك كان معلوما عند الرهبان في بلاد الإنكليز وفي غيرها من بلاد أوربا ، فإنهم كانوا ينقلون الكلام من ورقة إلى أخرى على الخشب ، ولكن كان ذلك قليلا. فأما استعمال هذه الحروف مصفوفة واحدا بعد واحد فلم يعرف إلّا في متأخر الزمن.
دخول التمدن والمعارف إلى بلاد الإفرنج
قال ولم يكن أحد في الزمن القديم يشتغل بالعلم وبترجمة الكتب والنسخ إلّا الرهبان ، فهم الذين أدخلوا التمدن والمعارف في بلاد الإفرنج. وكانت رومية وبلاد اليونان معدن الكتب والعلوم ، وكان الصكصونيون آباء الإنكليز يسافرون مسافات بعيدة في طلب العلم ، وتحصيل بعض تلك الكتب النادرة ويشترونها بثمن غال ، وعند رجوعهم يترجمونها إلى اللغة الصكصونية ، وكانت الناس تتنافس فيها لندرتها غاية المنافسة ، وكان للأسقف «ولفريد» نسخة من كتاب الإنجيل مكتوبة بحروف من ذهب على ورق أرجواني ، فكان يضعها في صوان من ذهب مرصّع بالجواهر النفيسة. وما عدا هؤلاء الرهبان فلم يكن أحد من العامة من يحسن الكتابة غير أفراد قليلين ، وناهيك أن توقيع «وليترد» ملك «كنت» على مجلة كان علامة الصليب ، وأمر كاتبه بأن يكتب تحتها أن الملك إنما رسم تلك العلامة بدلا من اسمه لجهله الكتابة.