فصل في الستي
مركز لندن التجاري
قد تقدّم الكلام على هذا الخط من حيث اشتماله على أعظم المباني الكائنة في لندرة ، فإن البنك والبوسطة والبورس ، وديوان الضابط وداره ، ودار السكة وكنيسة مار بولس ، جميعها فيه. وهو في الواقع لندرة القديمة وما بني من بعده فهو حادث. وبقي الآن هنا أن أقول إن هذا الخط الفريد هو مركز الأشغال العظيمة والمبايعات الجسيمة لأغنياء تجار الإنكليز ، فما من بناء فيه إلا وهو مصدر للحركة والعمل ، وما أحد يخطو فيه إلا للكسب والشغل ، ولا يتحرك به لسان إلا للنفع والفائدة ، ولا تطلع عليه شمس ولا يوقد فيه نور إلا للسعي ، ولا يخلج صدر مخلوق خاطر إلا للتحصيل والاقتناء ، فترى كل واحد من أهله فاتحا عينيه وفمه لأكل الدنيا وما فيها ، وكثيرا ما ترى في مسالكه مصحبين (٣٥٦) يحدّثون أنفسهم فيما هم فيه من المباشرة للأعمال ، فهنا تجد الغلام شيخا في معرفة الإدارة ، والشيخ غلاما في النشاط والاستعداد ، والشاب قبيلا (٣٥٧).
مركز عالمي لتجارة الجملة
وكيفما توجهت وأينما سلكت رأيت نهم الخلق وحرصهم شاغلا لحواسهم الباطنة والظاهرة بالحرث والادخار ، وليس من قطر في الدنيا إلا ويمدّه أهل هذا الخط بالبضاعة والمهمات ، وهو وإن خلا عن الحوانيت الرحيبة البهيجة مما يرى في سائر شوارع لندرة ، إلا أن الأرباح التي تجنى هنا في يوم واحد لا تجنى في غيره في شهر ، لأن العقود الخطيرة والمراسلات الجزيلة إنما تصدر عن هذا المشغل الحافل. ولا يخفى ن التاجر الذي يراسل تجار البلاد الأجنبية ويبعث لهم ، ويجلب من عندهم ،
__________________
(٣٥٦) المصحب بكسر الحاء : المستقيم الذاهب لا يتلبّث ، والرجل يحدّث نفسه. وبفتح الحاء : المجنون (م)
(٣٥٧) القبيل : الجماعة (م)