ونحوه ، وجميع نسائهم مقتصدات ونشيطات إلى العمل وقلّ منهن من تتعاطى التجارة.
ومن طبعهم جملة وتفصيلا الفضول والتلهّي بالإسفاف من القول والعمل ، فإذا أكبّ أحد مثلا لالتقاط شيء من الأرض ازدحمت عليه زمر ، ولا يزال أحدهم يجري من جهة ، وآخر من أخرى حتى تغصّ بهم الطريق ، ولا يبرحون ذاكرين للشيء يحدث أياما حتى يجد غيره. ومتى جرى أمر عرفت أصله ومبدأه وغايته من الجائين والذاهبين ، ولا بدّ لكلّ من طغامهم أن يقص قبل رقوده كلّ ما جرى له أثناء النهار ، وربّما أخبر به غير مرّة وزوّر ورقّش(٧٦) حتى يخال نفسه بعد ذلك صادقا ، وأن يتطلّع وهو سائر في الطريق على كل من يمرّ به ، فتراه كأنّما يسلّم على الناس ذات اليمين وذات الشمال.
وكثير منهم دأبهم الحضور في المحكمة لاستماع الدعاوى ، فإذا خرجوا بثّوها في كلّ موضع. ولا يمكن أن ينقلوا حديثا إلا ويزيدون فيه ، فإذا ألمّ بعين إنسان قذى ، قال : إنّه عمي. ويبدهون (٧٧) الرجل بأن يقولوا له : قد رأينا زوجتك تنظر من الشبّاك أو تحدّث فلانا أو فلانة. ويقولون للمرأة في حقّ زوجها مثل ذلك. وإذا اشتريت من أحدهم شيئا يخبر أهلك به ، ومتى رأوا غريبا نظروا إليه متفرّسين ، وتنصّتوا لاستماع كلامه ليعرفوا بأي لغة يتكلّم ، ويصفون حاله في وجهه بأن يقول أحدهم للأخر : «هذا الرجل من بلد كذا ، وقد أطال المكث هنا ، ولعلّه لا يمكث بعد ، فإنّه كان أولا سليما ، وكأنّه الآن مريض» فيقول الآخر : «وإلى أين يذهب أعساه يجد بلدا خيرا من بلدنا وقد صار مقصد الواردين والصادرين». وربّما دعت إحدى النساء صواحبها لرؤيته وهي تلكزهن وتومئ إليه. ولا تكاد تخاطب أحدا في الطريق إلا وترى زمرة قد أحدقت بك ، ولا يكاد أحد يأتي أمرا إلا وتتناقله الرواة ، ويسيئون الظن في متزوّج عاشر عزبا أو في عزب دخل دار متزوّج. ولا غرو فإن هذا شأن من لا يرى في بلده شيئا يشغل الخاطر من الأمور الخطيرة ويكون محصورا في صخرة قرعاء راسبة في
__________________
(٧٦) رقّش : زيّن ونمّق. (م).
(٧٧) يبدهون الرجل : يفاجئونه. (م).