تتبلبل الألباب في تركيبها |
|
ويكلّ عنها كلّ حدّ لسان |
أذنابها ورؤوسها عربية |
|
فسدت وأوسطها من الطلياني |
فإن قيل : إن الأذناب والرؤوس هنا كناية عن أوائل الألفاظ وأواخرها كأداة المضارعة وال التعريف ونون الوقاية ، وهذه باقية على الأصل ، فلم وصفتها بالفساد؟ قلت إن أداة المضارعة مكسورة عندهم على كلّ حال ، وكذا أداة التعريف ، والضمير غير ظاهر ، فإنهم يلفظون به كالواو ، ويحتمل أيضا أن يكون (فسدت) دعاء في المعنى. ومع كثرة ما بقي عندهم من مفردات العربية وجملها وتأليفها ولا سيّما في الأمور المتعارفة كما ذكر ، فقد ذهب عنهم مرادف الأب وإنّما يقولون (مسار) بالإمالة وكأنّها محرّفة عن (موسيو) بالفرنسيس ، فإن حقّ التلفظ بها أن يكون (مونسيور) ، وكذلك ذهبت عنهم كلمة التحية صباحا ومساء ، فيقولون : (بون جورنو عليك) ، ولعلّ سبب ذلك أن المسلمين لما افتتحوا جزيرتهم كانت التحية بينهم (السلام عليكم) وكان استعمالها مقصورا عليهم كما هو في بلادنا ، فلم تعرف بين الأهلين. وليس هذا بأعجب من ذهاب تحيات العرب العاربة عن المستعربين ، وقولهم الآن (صباح الخير) الظاهر أنّه مولّد.
ومن الغريب أن بعض أعيان المالطيين يحاكون الإفرنج في أطوارهم وهيئاتهم حتى إذا نطقوا بلغة أنفسهم زال عنهم ذلك الرواء ، وانجلى ذلك الإبهام ، وإذا تكلّموا خلطوا جملة إيطاليانية بأخرى من لغتهم لكن هذه هي الغالبة فإنّها لغتهم في الطفولة ، وقد أخبرني أحد فضلائهم أنه أقام مدّة طويلة في إيطالية فكان حينئذ يقدر خواطره وأفكاره بلغة أهلها ، ثم لما رجع إلى مالطة لم يلبث أن عاد إلى تقديرها بلغته ، فصدق عليه قول الشاعر :
كل امرئ راجع يوما لشيمته |
|
وإن تخلّق أخلاقا إلى حين |