أما ابن تغري بردي فأشار إلى مقتل الأمير الدمر بمكة المكرمة على أيدي بعض العبيد الذين قاموا بسرقة أموال ومتاع بعض حجاج العراق ، فاستجار الناس بالأمير الدمر الذي تخلّف عن الركب لأداء صلاة الجمعة ، فهبّ مع ابنه للدفاع عنهم وضرب العبيد ، ولكن تمكنّ العبيد من قتل ابنه فاشتدّ حنقه عليهم وعزم على الفتك بهم ، وعندئذ حمل العبيد عليه وقتلوه ، وعمّت الفوضى ونهبت الأسواق ، ووقع عدد كبير من القتلى ، وحاول الأمراء المصريون الاقتصاص لتلك الفعلة ففشلوا ، ثم عادوا إلى مصر وأطلعوا السلطان قلاوون بذلك فسيّر إلى مكة المكرمة عسكرا كثيفا للاقتصاص لمقتل الدمور وابنه ، وأوقعوا القتل في العبيد ، وفّر أشراف مكة المكرمة ، ونهبت أموالهم ، وسيطر الأتراك على البلاد في ذلك العام ، وفقد الأشراف سطوتهم وهيبتهم ، وعند ما قام الملك الناصر بأداء فريضة الحج كان استقباله لأشراف مكة المكرمة يشوبه الفتور مع تواضع الملك للفقهاء والعلماء (١). غير أن المقريزي وابن فهد والجزيري أشاروا الى أن أساس حدوث الفتنة من تدبير الملك الناصر ليقتص من أمير الركب العراقي الذي ناله بما يكره ، فأسّر ذلك في نفسه ، ولما بلغه مسير أمير الركب العراقي إلى مكة المكرمة كتب إلى الشريف عطيفة ابن أبي نمي سرّا للتخلّص منه ، فلم يجد بدّا من امتثال ما أمر به وأطلع ولده مبارك بن عطيفة ومن يثق به على ذلك ، وتقدم إليهم بإعمال الحيلة فيه فلّما قضى الحاج النسك تأخرّ أمير الركب العراقي والأمير الدمر وولده والأمير أحمد ابن خالة السلطان الناصر لأداء صلاة الجمعة مع بقية حجاج مصر فلما حضروا للصلاة وصعد الخطيب المنبر حانت لحظة تنفيذ الخطة الموضوعة ، فقام العبيد بإثارة الفتنة بين الناس وهدفهم حجاج العراق ، فخطفوا شيئا من أموالهم بأحد أبواب المسجد الحرام المعروف بباب إبراهيم ، وكان الشريف عطيفه جالسا إلى جوار الدمر فصرخ الناس بالدمر ، ولم يكن لديه علم بما كتب به السلطان إلى الشريف عطيفة ،
__________________
(١) ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة ، ج ٩ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.