واستعظمه وأراد قتله ثم عدل عنه ونفاه من المدينة ، وقيل بل بعث إليه من قام بقتله واختفى أثره (١).
إن ما ذكره ابن بطوطة عن أحوال المدينة المنورة السياسية قليل جدا ولكنه أبرز لنا مدى الصراع على الإمرة والسلطة فيها ووسائل الوصول إليها. كما نجد أن ما ينطبق على مكة المكرمة ينطبق أيضا على المدينة المنورة من حيث علاقاتها بمصر في بعض الأحيان وانقطاعها أحيانا أخرى.
فالعلاقة والارتباط بمصر قائم على أساس الوضع الاقتصادي والاستقرار الداخلي ، فمتى توفّر الاستقرار وعمّ الرخاء الاقتصادي أصبحت إمارة مستقلة ، ومتى تزعزع الوضع الداخلي نجد الأشراف الحسنيين يسارعون إلى الاستنجاد بملوك مصر ضد بعضهم بعضا فتعود العلاقة مرة أخرى. ومن هنا فعلاقات الحجاز السياسية بمن حوله من المماليك والدول الإسلامية قائمة أولا وأخيرا على وضعه الاقتصادي وما يصله من مساعدات مالية ، فهي التي تحكّمت في مدى وقوّة علاقة الحجاز السياسية بهذه الدول.
وبالمقابل حرصت تلك الدول على إقامة علاقة ودّية مع أشراف الحجاز وإرضائهم في سبيل الدعاء لهم على منابر الحرمين الشريفيين ، إضافة إلى أنّ أشراف الحجاز بسبب نسبهم المتّصل بفاطمة الزهراء رضياللهعنها ، كان الأمراء والملوك يتحّرزون كثيرا في عقابهم ضمانا لعدم وصفهم بأنهّم قتلة أبناء رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢). ولذلك فملوك مصر تكتفي من نوّاب الحجاز بإظهار الطاعة (٣) ، وأقصى عقاب ينزل بأشراف الحجاز في حالة خروجهم عن الطاعة أو
__________________
(١) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٢) عز الدين ابن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ٤١.
(٣) عز الدين بن فهد : غاية المرام ، ج ٢ ، ص ١٨.