كما حرص أهل مكة على الاحتفال بشهر رجب. وهو لديهم بمثابة موسم كبير يجري الاستعداد له قبل قدومه بمدة من الزمن ، بالإضافة إلى حرصهم على أداء العمرة الرجبية (١) فيه ويشاركهم ذلك المجاورون وسكان المناطق القريبة من مكة المكرمة فيكون احتفالهم في غاية الغرابة والعجب. فقبل ليلة وصباح بداية الشهر يتّم الاستعداد لها بأيام فتمتلىء شوارع وأزقة مكة المكرمة بالهوادج المشدودة على الإبل المكسوّة بالحرير والكتّان كل حسب سعته ويخرجون إلى التنعيم فتمتلىء بهم الشعاب والأباطح. وقد ذكر ابن جبير أن هذه الهوادج يخيل للناظر إليها أنها قباب مضروبة.
وفي أول ليلة من الشهر تشعل النيران على جانبي الطريق كله ، بالإضافة إلى الشموع التي تتقدم الإبل ؛ وعند عودتهم إلى المسجد الحرام تكون الصفا والمروة كلها مسرجة وموقدة والازدحام فيها شديد وعند ثبوت دخول شهر رجب تضرب الطبول وتنفخ الأبواق إشارة إلى أنها ليلة الموسم.
ويشارك الأمير الاحتفال بهذا الشهر ويخرج هو وحاشيته لأداء العمرة.
وطريقته في الطواف كعادته في أول كل شهر. وبعد انتهاء الطواف يصلّي خلف المقام عقب إخراجه من الكعبة خوفا عليه في مثل هذه المناسبات ، ويوضع في قبته الخشبية. وعند فراغه من الصلاة ترفع القبة فيستلم المقام ويتمّسح به (٢) ثم تعاد القبة عليه.
والملاحظ هنا أن الاحتفال بهذا الشهر لم يكن قاصرا على الرجال فقط ، بل شاركت النساء أيضا في الاحتفال ، فيتصافح الرجال ويدعو كل منهم للآخر
__________________
(١) هي من البدع التي حرص أهل مكة عليها ويأتي كونها بدعة من اختصاصها بشهر معين وعلى الرغم من أنها بدأت كشكر لله تعالى عقب إتمام عبد الله بن الزبير بناء الكعبة إلا أنها استمّرت وكأنها أحد أركان الإسلام الواجبة. انظر الأزرقي : أخبار مكة ، ج ١ ، ص ٢١٠.
(٢) وهذا الأمر من البدع المتفشية في مكة فالأمر صريح للمسلمين بأن يكون المقام مصلى فقط كما ورد في القرآن الكريم ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)) القرآن الكريم : سورة البقرة ، ٢ / ١٢٥.