أولا : المذاهب في بلاد الحجاز :
تعدد الأئمة في الحرم المكي تبعا لتعدد المذاهب في ذلك الوقت الأمر الذي انفردت به مكة المكرمة في ذلك الوقت عما سواها من المدن. حيث كان لكل مذهب من المذاهب السنية الأربعة إمام مقدّم للصلاة بطائفته بالمسجد الحرام ولكن الأولوية للإمام الشافعي لأنه من قبل الخليفة فهو الذي يقيم الخطبة ويبدأ بالصلاة وأهل مكة على مذهبه (١). ويليه بقية الأئمة كما يوجد إمام خامس لفرقة الزيدية وأعيان مكة على مذهبه (٢) ولهذا يلقون الدعم واستمرارية الوجود.
ولقد لفت انتباه الرحالة تعدد الأئمه وصلاة كل إمام بمن يتبعه واستنكارهم لذلك وزاد استنكارهم من وجود الفرقة الزيدية وإمامها فالإمام الزيدي كان موجودا زمن رحلة ابن جبير عام ٥٧٩ ه / ١١٨٣ م واستمر وجوده إلى وقت مجيء التجيبي (٣) مكة. سنة ٦٩٦ ه / ١٢٩٦ م. ولكن اختفى وجوده في وقت وجود ابن بطوطة الذي زار مكة المكرمة سنة ٧٢٦ ه / ١٣٢٥ م ضمن رحلاته المتعددة إذ أنه لم يذكر وجود الفرقة الزيدية.
والغالب أنه لم يعد للمذهب الزيدي مكان بالحرم المكي ومما يؤيّد ذلك الإجراءات التي اتخذت للحد منه والتي كملت بعد ما وصل مرسوم من السلطان الناصر محمد بن قلاوون في سنة ٧٢٦ ه / ١٣٢٥ م إلى الشريف عطيفة يستنكر فيه وجود إمام زيدي بالحرم فأصدر إليه أمرا بمنعه فنفذ الشريف الأمر (٤). ولم يعد أتباعه يجهرون بشعائرهم لأن مكة المكرمة في ذلك الوقت كانت تتبع للمماليك تبعية مباشرة وإن خرجوا عنها في فترات قصيرة لا يلبث أشرافها أن يعودوا إليها مرة أخرى لقوة المماليك في ذلك الوقت.
__________________
(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٨٠.
(٢) المصدر السابق ، ص ٧٨.
(٣) المصدر السابق والصفحة : التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٩٧ ـ ٢٩٨.
(٤) الفاسي : العقد الثمين ، ج ٦ ، ص ٩٨.