وقد ظهرت كثرة حلقات العلم بالمسجد الحرام من إشارات الرحالة المغاربة والأندلسيين حيث أشار ابن جبير إليها دون تفصيل في هذه الناحية بأكثر من قوله إنه" غاص بحلقات الدرس" (١). ونتلمس دور المسجد الحرام العلمي في ذلك الوقت من كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين الذين دونوا رحلاتهم على نمط البرامج مثل ابن جابر الوادي وابن رشيد وغيرهما ممن تأرجحت كتاباتهم بين نمط البرامج والوصف مثل التجيبي فهم يظهرون مدى إشعاع هذا المركز العلمي وشهرته في كل ناحية من أقطار البلاد الإسلامية فموسم الحج مناسبة لكل شيء (٢). ولا يلبث أن يغادر العالم أو طالب العلم إلى موطنه محملا بما ناله من علم وما حصل عليه من إجازات فقد أورد ابن رشيد نماذج لمثل تلك الإجازات في رحلته (٣). كما قام ابن جابر الوادي آشي بنشر ما تلقاه من علوم في موطنه عند ما عاد (٤).
وزخرت كتب التراجم بالكثير من تراجم العلماء الراحلين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ونادرا ما نجد من لم تكن له رحلة إليهما. حيث أن قيمة العالم تكمن في كثرة ما له من رحلات ومشايخ تلقى العلم عنهم (٥).
ويبدو أن مكانة المسجد الحرام العلمية بدأت منذ أن تصدر ابن عباس للجلوس والتدريس فيه حتى لقب بحبر الأمة وسمي بالبحر لغزارة علمه بحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٦) وبطرق التقاضي في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضياللهعنهم وبالفقه والشعر وتفسير القرآن الكريم والحساب والتأويل والمغازي وأيام العرب لذلك تنوعت حلقات العلم التي عقدها ، خاصة وإنه كان لكل علم من العلوم السابقة مجلس ويوم خاص. وإلى جانب ما سبق هو أعلم الناس بالمناسك إذ شوهد في أيام الحج يلجأ إليه الحجاج لسؤاله عن المناسك (٧).
__________________
(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ٦٨ ، ٧٢.
(٢) السبكي : طبقات الشافعية الكبرى ، ج ٥ ، ص ١٥٣ ، ١٥٦ ، ١٥٨.
(٣) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ١٦٩.
(٤) ابن جابر الوادي آشي : البرنامج ، طبعة ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م ، ص ١٤.
(٥) ابن خلدون : العبر ، ج ١ ، ص ٣٦١ ؛ أحمد شلبي : التربية الإسلامية ، ج ٥ ، ص ٣٣٠.
(٦) ابن الأثير : أسد الغابة ، ج ٣ ، ص ١٨٧.
(٧) ابن سعد : الطبقات الكبرى ، ج ٢ ، ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩.