المدينة المنورة :
يأتي المسجد النبوي مركزا ثانيا من المراكز العلمية بالحجاز وإن لم يصل في وضعه العلمي إلى مرتبة المسجد الحرام ، خاصة فهذا عائد إلى اضطهاد السنة حتى قيل إنه لم يكن بالمستطاع الجهر بقراءة كتب السنّة (١). وأثار الأمر انتباه ابن جبير فأشار إلى تصدر الشيعة في الإمامة والخطابة (٢). بالمسجد النبوي ووصفهم بأنهم" على مذهب غير مرضي" (٣). وهذا مخالف لأوضاع المسجد الحرام واستيعابه لكافة المذاهب دون التحيز لأحدها ضد الآخر بإشارة ابن جبير والتجيبي والبلوي (٤).
ويفسر اضطهاد أهل السنة بالمدينة المنورة ضعف دور علمائها العلمي في تلك الفترة ولكن لم تلبث أن تغيرت تلك الأوضاع فنجد في كتب الرحالة عقب ابن جبير برز دور علماء السنة في المدينة (٥).
فحافظت على مركزها العلمي وظلت مقصدا لطلبة العلم يعودون منها إلى وطنهم لنشر ما تلقوه من علمائها. وكان العلماء المجاورون يحتفظون بكتبهم داخل المسجد النبوي في أماكن خاصة بهم مثل السمهودي وغيره (٦).
__________________
(١) السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٦٠٠ ؛ جميل حرب : الحجاز واليمن في العصر الأيوبي ، ص ٢٣٩.
(٢) ظلت الخطابة والإمامة بأيدي الشيعة إلى أن خرجت منهم إلى عمر بن أحمد بن ظافر بن طراد ولكنه لم يسلم من أذاهم خاصة بعد أن أضيف القضاء له وقد كان أهل السنة قبله مستضعفين يؤذون فارتحلوا بأولادهم تاركين أملاكهم فبعث إليهم أهل المدينة أن الأشراف أمنوهم وعليهم الرجوع إلى المدينة المنورة فلم يفعلوا فصودرت أملاكهم. انظر السخاوي : التحفة اللطيفة ، ج ٣ ، ص ٣١٣ ؛ حمد الجاسر : رسائل من تاريخ المدينة ، ص ١٤٢. وتعقيبا حول ما قيل تظهر لنا قوة وهيمنة الدولة المملوكية على المدينة المنورة بما لها من سلطة في إقصاء الشيعة وتقديم السنة وهو أمر لم تستطع الدولة الأيوبية فعله.
(٣) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٧٩.
(٤) ابن جبير : الرحلة ، ص ٧٨ ؛ التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ؛ البلوي : تاج المفرق ، ج ١ ، ص ٣٠٦.
(٥) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٥ ، ص ٦٩.
(٦) السخاوي : التحفة اللطيفة ، ج ٣ ، ص ٢٣١.