أما طول المسجد النبوي فمائة وست وتسعون خطوة ، وعرضه مائة وست وعشرون خطوة ، وفيه من السواري مئتان وتسعون سارية. وهي أعمدة متصلة بسقف المسجد دون أقواس فكأنها دعائم له. وهي من حجر منحوت قطع بشكل مستدير مركبة بعضها فوق بعض وصب بين كل قطعة وأخرى الرصاص المذاب فأصبحت عامودا قائما مغطى بالجيار (١) اللين التي اتقنت دلكا وصقلا حتى بدت كأنها رخام أبيض (٢) أما البلاط المتصل بالقبلة ففيه المقصورة والمحراب ويقيم الإمام الصلاة في الروضة الصغيرة إلى جانب الصندوق وبينها وبين الروضة والقبر محمل كبير مدهون عليه مصحف كبير في غشاء مقفل يقال إنه أحد المصاحف الأربعة التي بعث بها عثمان بن عفان رضياللهعنه إلى البلدان. ويبدو أن هذا المصحف ليس أحد المصاحف التي أرسلها عثمان ابن عفان إلى الامصار وإنما هو مصحف بعث به الحجاج بن يوسف إلى المدينة ضمن المصاحف التي بعث بها إلى أمهات الأمصار (٣) وبجانب هذه المقصورة من جهة الشرق خزانتان كبيرتان تحتويان على الكتب والمصاحف الموقوفة على المسجد ، كما يوجد أمام الروضة شباك من الحديد مفتوح على الروضة وفي البلاط الثاني من جهة الشرق توجد فتحة مغطاة تؤدي إلى سرداب ينفذ إليها بواسطة درج تحت الأرض تفضي إلى خارج المسجد هي موضع الخوخة المفضية لدار أبي بكر التي أمر النبي صلى بإبقائها (٤).
ويوجد أمام الروضة صندوق كبير لوضع الشمع المستخدم للإنارة أمام الروضة كل ليلة ، وفي أعلى المحراب الموجود في جدار القبلة بداخل المقصورة
__________________
(١) الجيار : النورة. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٥٧.
(٢) إن وصف ابن جبير لحالة المسجد النبوي المعمارية يوضح لنا مدى مهارة البنائين وإتقانهم لعملهم في ذلك الوقت.
(٣) انظر ابن النجار : أخبار مدينة الرسول ، ص ١٠٦ ؛ السمهودي : وفاء الوفا ، ج ٢ ، ص ٦٧٠.
(٤) انظر فيما سبق ، ص ٢٢١.