ومن خلال تتبع هذه الرحلات نجدها تسجيلا حيا للمجتمع الإسلامي في تلك الفترة من كافة جوانبه.
أولا : أنواع الرحلات والبرامج
كان الرحالة المغاربة والأندلسيون ينتهزون فرصة أدائهم فريضة الحج في التجول بين المراكز العلمية ، مثل الاسكندرية والقاهرة ؛ للقاء العلماء والأخذ عنهم ، وتسجيل أسماء مشايخهم وأسانيدهم ومروياتهم وما أخذوه عنهم من كتب وإجازات. فمن هؤلاء الرحالة على سبيل المثال ابن رشيد.
فقد حرص ابن رشيد على لقاء العلماء والأخذ عنهم. وقد سجل ذلك بأوضح صورة تكاد تنطق بما كانت عليه هاتان المدينتان من نشاط علمي ؛ خاصة في ميدان رواية الحديث وما يتعلق به.
زار ابن رشيد الإسكندرية والقاهرة في طريقه إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج سنة ٦٨٤ ه / ١٢٨٥ م. وتردد على المجالس العلمية لتلقي العلم إما قراءة أو سماعا. وأجاز له عدد من العلماء وحرص ابن رشيد على الإشارة إلى أسماء المؤلفات المعول عليها في التعليم لتلك الفترة.
بالإضافة إلى ترجمته لعدد كبير من أهم العلماء المعروفين في البلدان التي زارها (١). كانت هذه التراجم ذات أثر كبير في إضفاء الصبغة العلمية على رحلته. ونتج عن تدوينه لرحلته ظهور سفر شامل للعديد من الجوانب التي تعكس الطابع الحضاري ونتائجه العلمية والفكرية التي كانت عليها الديار المصرية في أواخر القرن السابع الهجري.
بالإضافة إلى أنها من أوسع البرامج (٢) أو الفهارس العلمية لما اشتملت
__________________
(١) ابن رشيد : ملء العيبة ، ج ٢ ، ٣ ، ٥.
(٢) البرنامج يقابل معنى الفهرسة فهو كتاب يجمع فيه الشيخ أسماء شيوخه وأسانيده من مروياته وقراءته على أشياخه والمصنفات ونحو ذلك فلفظ برنامج يستعمله أهل الأندلس كثيرا والبرنامج يرادف الفهرسة والمعجم والثبت والمشيخة. انظر الكتاني : فهرس الفهارس ، ج ١ ، ص ٦٧ ـ ٧١.