بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
لقد كان للفتح الإسلامي للشام ، أعظم الآثار على هذه البلاد ، من ذلك تثبيت طابع العروبة فيها ، وتبديل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعمرانية ، فعلى صعيد السياسة الداخلية والخارجية تحول دور القبائل العربية من الهامش إلى الصميم ، وعلى صعيد المدن ، نجد قبل الفتح أن مدينة القدس كانت أهم مدن جنوبي بلاد الشام ، تتلوها دمشق ، وأن أنطاكية كانت أهم مدن الشمال وأبرزها دورا ، تتلوها قنسرين ، لكن بعد الفتح ، وبسبب انتشار الإسلام ، وانسلاخ البلاد عن الإمبراطورية البيزنطية ، وقيام الحروب الدائمة معها ، ثم قيام السلطان الأموي في الشام ، كل هذا أدى إلى تقهقر القدس ، حيث تقدمتها دمشق ، وتخلفت في الوقت نفسه مدينة بصرى ، واضمحل دورها كثغر تجاري لبلاد الشام على بوابات شبه جزيرة العرب ، وتأخرت أنطاكية في الشمال ووصلت قنسرين إلى حالة الاحتضار ، وتقدمت حلب وتبعتها معرة النعمان.
ووضح هذا الحال في العصر الأموي ، وتوطدت أركانه ، وبعد قيام الخلافة العباسية ، وانشغالها المطلق بمشاكل خراسان وبلاد ما وراء النهر ، وإهمالها للحدود مع بيزنطة ، وقيام نظام الثغور والعواصم صارت حلب مركز شمال الشمال سياسيا واقتصاديا وعقائديا وثقافيا ، وغدت دمشق هي المسؤولية عن جنوب الشام.
وتنافست كل من حلب ودمشق ، ووضح للعيان أن أحداث الشام باتت تدور على محورين أساسيين واحد في الشمال [حلب] وآخر في الجنوب ، [دمشق] ، ويمكن تعقب جذور هذه القضية إلى العصر الأموي ، فبعد وفاة يزيد بن معاوية حدث صراع شديد على الخلافة والسلطة ، وانقسم الشام إلى معسكرين : واحد تزعمته قبائل كلب في الجنوب ، وآخر